فصل: تفسير الآية رقم (127)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏127‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ “ لَهُمْ “، لِلْقَوْمِ الَّذِينَ يَذَّكَّرُونَ آيَاتِ اللَّهِ فَيَعْتَبِرُونَ بِهَا، وَيُوقِنُونَ بِدَلَالَتِهَا عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَمِنْ نُبُوَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَيُصَدِّقُونَ بِمَا وَصَلُوا بِهَا إِلَى عِلْمِهِ مِنْ ذَاكَ‏.‏

وَأَمَّا “ دَارُ السَّلَامِ “، فَهِيَ دَارُ اللَّهِ الَّتِي أَعَدَّهَا لِأَوْلِيَائِهِ فِي الْآخِرَةِ، جَزَاءً لَهُمْ عَلَى مَا أَبْلَوْا فِي الدُّنْيَا فِي ذَاتِ اللَّهِ، وَهِيَ جَنَّتُهُ‏.‏ وَ“ السَّلَامُ “، اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَالَ السُّدِّيُّ‏:‏-

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏}‏، اللَّهُ هُوَ السَّلَامُ، وَالدَّارُ الْجَنَّةُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَهُوَ وَلِيُّهُمْ‏)‏، فَإِنَّهُ يَقُولُ‏:‏ وَاللَّهُ نَاصِرُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يَذَّكَّرُونَ آيَاتِ اللَّهِ ‏(‏بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَيَتَّبِعُونَ رِضْوَانَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏128‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّقَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا‏}‏، وَيَوْمَ يَحْشُرُ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مَعَ أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ الَّذِينَ كَانُوا يُوحُونَ إِلَيْهِمْ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا لِيُجَادِلُوا بِهِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَجْمَعُهُمْ جَمِيعًا فِي مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ يَقُولُ لِلْجِنِّ‏:‏ ‏{‏يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ‏}‏، وَحَذَفَ “ يَقُولُ لِلْجِنِّ “ مِنَ الْكَلَامِ، اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ عَلَيْهِ مِنْهُ‏.‏

وَعَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ‏}‏، اسْتَكْثَرْتُمْ مِنْ إِضْلَالِهِمْ وَإِغْوَائِهِمْ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ أَضْلَلْتُمْ مِنْهُمْ كَثِيرًا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ‏}‏، قَالَ‏:‏ قَدْ أَضْلَلْتُمْ كَثِيرًا مِنَ الْإِنْسِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَثُرَ مَنْ أَغْوَيْتُمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو سُفْيَانَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَضْلَلْتُمْ كَثِيرًا مِنَ الْإِنْسِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏128‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَيُجِيبُ أَوْلِيَاءُ الْجِنِّ مِنَ الْإِنْسِ فَيَقُولُونَ‏:‏ “ ‏{‏رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ‏}‏ “ فِي الدُّنْيَا‏.‏ فَأَمَّااسْتِمْتَاعُ الْإِنْسِ بِالْجِنِّكَيْفِيَّتُهُ، فَكَانَ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَنْزِلُ الْأَرْضَ فَيَقُولُ‏:‏ “ أَعُوذُ بِكَبِيرِ هَذَا الْوَادِي “، فَذَلِكَ اسْتِمْتَاعُهُمْ، فَاعْتَذَرُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏.‏

وَأَمَّااسْتِمْتَاعُ الْجِنِّ بِالْإِنْسِكَيْفِيَّتُهُ، فَإِنَّهُ كَانَ، فِيمَا ذُكِرَ، مَا يَنَالُ الْجِنَّ مِنَ الْإِنْسِ مِنْ تَعْظِيمِهِمْ إِيَّاهُمْ فِي اسْتِعَاذَتِهِمْ بِهِمْ، فَيَقُولُونَ‏:‏ “ قَدْ سُدْنَا الْجِنَّ وَالْحِنَّ “

تفسير الآية رقم ‏[‏128‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالُوا‏:‏ بَلَغْنَا الْوَقْتَ الَّذِي وَقَّتَّ لِمَوْتِنَا‏.‏ وَإِنَّمَا يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِذَلِكَ‏:‏ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ أَيَّامَ حَيَاتِنَا إِلَى حَالِ مَوْتِنَا‏.‏ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ أَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا‏}‏، فَالْمَوْتُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏128‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَمَّا هُوَ قَائِلٌ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْعَادِلِينَ بِهِ فِي الدُّنْيَا الْأَوْثَانَ، وَلِقُرَنَائِهِمْ مِنَ الْجِنِّ، فَأَخْرَجَ الْخَبَرَ عَمَّا هُوَ كَائِنٌ، مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَمَّا كَانَ، لِتَقَدُّمِ الْكَلَامِ قَبْلَهُ بِمَعْنَاهُ وَالْمُرَادُ مِنْهُ، فَقَالَ‏:‏ قَالَ اللَّهُ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنِّ مِنَ الْإِنْسِ الَّذِينَ قَدْ تَقَدَّمَ خَبَرُهُ عَنْهُمْ‏:‏ ‏(‏النَّارُ مَثْوَاكُمْ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ نَارُ جَهَنَّمَ “ مَثْوَاكُمْ “، الَّذِي تَثْوُونَ فِيهِ، أَيْ تُقِيمُونَ فِيهِ‏.‏

وَ “ الْمَثْوَى “ هُوَ “ الْمَفْعَلُ “ مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ “ ثَوَى فُلَانٌ بِمَكَانِ كَذَا “، إِذَا أَقَامَ فِيهِ‏.‏

‏(‏خَالِدِينَ فِيهَا‏)‏، يَقُولُ‏:‏ لَابِثِينَ فِيهَا ‏(‏إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ‏)‏، يَعْنِي إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ مِنْ قَدْرِ مُدَّةِ مَا بَيْنَ مَبْعَثِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَى مَصِيرِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ، فَتِلْكَ الْمُدَّةُ الَّتِي اسْتَثْنَاهَا اللَّهُ مِنْ خُلُودِهِمْ فِي النَّارِ ‏(‏إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ‏)‏، فِي تَدْبِيرِهِ فِي خَلْقِهِ، وَفِي تَصْرِيفِهِ إِيَّاهُمْ فِي مَشِيئَتِهِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِهِ ‏(‏عَلِيمٌ‏)‏، بِعَوَاقِبِ تَدْبِيرِهِ إِيَّاهُمْ، وَمَا إِلَيْهِ صَائِرَةٌ أَمْرُهُمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ‏.‏

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّلُ فِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ‏:‏ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ أَمْرَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فِي مَبْلَغِ عَذَابِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى مَشِيئَتِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ‏:‏ آيَةٌ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، أَنْ لَا يُنْزِلَهُمْ جَنَّةً وَلَا نَارًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏129‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ‏(‏نُوَلِّي‏)‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ نَحْمِلُ بَعْضَهُمْ لِبَعْضٍ وَلِيًّا عَلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ‏}‏، وَإِنَّمَا يُوَلِّي اللَّهُ بَيْنَ النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ، فَالْمُؤْمِنُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِ أَيْنَ كَانَ وَحَيْثُ كَانَ، وَالْكَافِرُ وَلِيُّ الْكَافِرِ أَيْنَمَا كَانَ وَحَيْثُمَا كَانَ‏.‏ لَيْسَ الْإِيمَانُ بِالتَّمَنِّي وَلَا بِالتَّحَلِّي‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ نُتْبِعُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا فِي النَّارِ مِنْ “ الْمُوَالَاةِ “، وَهُوَ الْمُتَابَعَةُ بَيْنَ الشَّيْءِ وَالشَّيْءِ، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ “ وَالَيْتُ بَيْنَ كَذَا وَكَذَا “، إِذَا تَابَعْتُ بَيْنَهُمَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا‏}‏، فِي النَّارِ، يُتْبِعُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ، نُسَلِّطُ بَعْضَ الظُّلْمَةِ عَلَى بَعْضٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا‏}‏، قَالَ‏:‏ ظَالِمِي الْجِنِّ وَظَالِمِي الْإِنْسِ‏.‏ وَقَرَأَ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الزُّخْرُفِ‏:‏ 36‏]‏‏.‏ قَالَ‏:‏ نُسَلِّطُ ظَلَمَةَ الْجِنِّ عَلَى ظَلَمَةِ الْإِنْسِ‌‌‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ وَكَذَلِكَ نَجْعَلُ بَعْضَ الظَّالِمِينَ لِبَعْضٍ أَوْلِيَاءَ‏.‏ لِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ مَا كَانَ مِنْ قَوْلِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ‏}‏، وَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ، ثُمَّ عَقَّبَ خَبَرَهُ ذَلِكَ بِخَبَرِهِ عَنْ أَنَّ وِلَايَةَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِتَوْلِيَتِهِ إِيَّاهُمْ، فَقَالَ‏:‏ وَكَمَا جَعَلْنَا بَعْضَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ يَسْتَمْتِعُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، كَذَلِكَ نَجْعَلُ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ فِي كُلِّ الْأُمُورِ “ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ “، مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ وَيَعْمَلُونَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏130‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا هُوَ قَائِلٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِهَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِهِ مِنْ مُشْرِكِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، يُخْبِرُ أَنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ يَوْمَئِذٍ‏:‏ ‏{‏يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يُخْبِرُونَكُمْ بِمَا أُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ تَنْبِيهِي إِيَّاكُمْ عَلَى مَوَاضِعِ حُجَجِي، وَتَعْرِيفِي لَكُمْ أَدِلَّتِي عَلَى تَوْحِيدِي، وَتَصْدِيقِ أَنْبِيَائِي، وَالْعَمَلِ بِأَمْرِي، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى حُدُودِي ‏{‏وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يُحَذِّرُونَكُمْ لِقَاءَ عَذَابِي فِي يَوْمِكُمْ هَذَا، وَعِقَابِي عَلَى مَعْصِيَتِكُمْ إِيَّايَ، فَتَنْتَهُوا عَنْ مَعَاصِيَّ‏.‏

وَهَذَا مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَقْرِيعٌ وَتَوْبِيخٌ لِهَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْفُسُوقِ وَالْمَعَاصِي‏.‏ وَمَعْنَاهُ‏:‏ قَدْ أَتَاكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يُنَبِّهُونَكُمْ عَلَى خَطَأِ مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مُقِيمِينَ بِالْحُجَجِ الْبَالِغَةِ، وَيُنْذِرُونَكُمْ وَعِيدَ اللَّهِ عَلَى مَقَامِكُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مُقِيمِينَ، فَلَمْ تَقْبَلُوا ذَلِكَ، وَلَمْ تَتَذَكَّرُوا وَلَمْ تَعْتَبِرُوا‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي “ الْجِنِّ “، هَلْ أُرْسِلَ مِنْهُمْ إِلَيْهِمْ، أَمْ لَا‏؟‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ قَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ رُسُلٌ، كَمَا أُرْسِلَ إِلَى الْإِنْسِ مِنْهُمْ رُسُلٌ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سُئِلَ الضَّحَّاكُ عَنِ الْجِنِّ، هَلْ كَانَ فِيهِمْ نَبِيٌّ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي‏}‏، يَعْنِي بِذَلِكَ‏:‏ رُسُلًا مِنَ الْإِنْسِ وَرُسُلًا مِنَ الْجِنِّ‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ بَلَى‏!‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ لَمْ يُرْسَلْ مِنْهُمْ إِلَيْهِمْ رَسُولٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْجِنِّ قِطُّ رَسُولٌ مُرْسَلٌ، وَإِنَّمَا الرُّسُلُ مِنَ الْإِنْسِ خَاصَّةً، فَأَمَّا مِنَ الْجِنِّ فَالنُّذُرُ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَإِنَّمَا قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏(‏أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ‏)‏، وَالرُّسُلُ مِنْ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ، كَمَا قَالَ‏:‏ ‏(‏مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ‏)‏، ‏[‏سُورَةُ الرَّحْمَنِ‏:‏ 19‏]‏، ثُمَّ قَالَ‏:‏ ‏{‏يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الرَّحْمَنِ‏:‏ 22‏]‏، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ مِنَ الْمِلْحِ دُونَ الْعَذْبِ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ يَخْرُجُ مِنْ بَعْضِهِمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا‏.‏ قَالَ‏:‏ وَذَلِكَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِجَمَاعَةِ أَدْؤُرٍ‏:‏ “ إِنَّ فِي هَذِهِ الدُّورِ لَشَرًّا “، وَإِنْ كَانَ الشَّرُّ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، فَيَخْرُجُ الْخَبَرُ عَنْ جَمِيعِهِنَّ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْخَبَرُ عَنْ بَعْضِهِنَّ، وَكَمَا يُقَالُ‏:‏ “ أَكَلْتُ خُبْزًا وَلَبَنًا “، إِذَا اخْتَلَطَا، وَلَوْ قِيلَ‏:‏ “ أَكَلْتُ لَبَنًا “، كَانَ الْكَلَامُ خَطَأً؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ يُشْرَبُ وَلَا يُؤْكَلُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ جَمَعَهُمْ كَمَا جَمَعَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا‏}‏، ‏[‏سُورَةُ فَاطِرٍ‏:‏ 12‏]‏، وَلَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَنْهَارِ حِلْيَةٌ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ هُمُ الْجِنُّ لَقُوا قَوْمَهُمْ، وَهُمْ رُسُلٌ إِلَى قَوْمِهِمْ‏.‏

فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا، أَنَّ مِنَ الْجِنِّ رُسُلًا لِلْإِنْسِ إِلَى قَوْمِهِمْ فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ أَلَمْ يَأْتِكُمْ، أَيُّهَا الْجِنُّ وَالْإِنْسُ، رُسُلٌ مِنْكُمْ، فَأَمَّا رُسُلُ الْإِنْسِ فَرُسُلٌ مِنَ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، وَأَمَّا رُسُلُ الْجِنِّ فَرُسُلُ رُسُلِ اللَّهِ مِنْ بُنِيَ آدَمَ، وَهُمُ الَّذِينَ إِذَا سَمِعُوا الْقُرْآنَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ‏.‏

وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا بِقَوْلِ الضَّحَّاكِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّ مِنَ الْجِنِّ رُسُلًا أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ، كَمَا أَخْبَرَ أَنَّ مِنَ الْإِنْسِ رُسُلًا أُرْسِلُوا إِلَيْهِمْ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ خَبَرُهُ عَنْ رُسُلِ الْجِنِّ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ رُسُلُ الْإِنْسِ، جَازَ أَنْ يَكُونَ خَبَرُهُ عَنْ رُسُلِ الْإِنْسِ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ رُسُلُ الْجِنِّ‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَفِي فَسَادِ هَذَا الْمَعْنَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَبَرَيْنِ جَمِيعًا بِمَعْنَى الْخَبَرِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ رُسُلُ اللَّهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْخِطَابِ دُونَ غَيْرِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏130‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ قَوْلِ مُشْرِكِي الْجِنِّ وَالْإِنْسِ عِنْدَ تَقْرِيعِهِ إِيَّاهُمْ بِقَوْلِهِ لَهُمْ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا‏}‏، أَنَّهُمْ يَقُولُونَهُ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏(‏شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا‏)‏، بِأَنَّ رُسُلَكَ قَدْ أَتَتْنَا بِآيَاتِكَ، وَأَنْذَرَتْنَا لِقَاءَ يَوْمِنَا هَذَا، فَكَذَّبْنَاهَا وَجَحَدْنَا رِسَالَتَهَا، وَلَمْ نَتَّبِعْ آيَاتِكَ وَلَمْ نُؤْمِنْ بِهَا‏.‏

قَالَ اللَّهُ خَبَرًا مُبْتَدَأً‏:‏ وَغَرَّتْ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، وَأَوْلِيَاءَهُمْ مِنَ الْجِنِّ ‏(‏الْحَيَاةُ الدُّنْيَا‏)‏، يَعْنِي زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَطَلَبَ الرِّيَاسَةِ فِيهَا وَالْمُنَافَسَةَ عَلَيْهَا، أَنْ يُسْلِمُوا لِأَمْرِ اللَّهِ فَيُطِيعُوا فِيهَا رُسُلَهُ، فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ‏.‏ فَاكْتَفَى بِذِكْرِ “ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا “ مِنْ ذِكْرِ الْمَعَانِي الَّتِي غَرَّتْهُمْ وَخَدَعَتْهُمْ فِيهَا، إِذْ كَانَ فِي ذِكْرِهَا مُكْتَفًى عَنْ ذِكْرِ غَيْرِهَا، لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى مَا تُرِكَ ذِكْرُهُ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا كَافِرِينَ بِهِ وَبِرُسُلِهِ، لِتَتِمَّ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِإِقْرَارِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمَا يُوجِبُ عَلَيْهِمْ عُقُوبَتَهُ وَأَلِيمَ عَذَابِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏131‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ‏}‏، أَيْ‏:‏ إِنَّمَا أَرْسَلْنَا الرُّسُلَ، يَا مُحَمَّدُ، إِلَى مَنْ وَصَفْتُ أَمْرَهُ، وَأَعْلَمْتُكَ خَبَرَهُ مِنْ مُشْرِكِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، يَقُصُّونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَهُمْ لِقَاءَ مَعَادِهِمْ إِلَيَّ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَبَّكَ لَمْ يَكُنْ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ‏.‏

وَقَدْ يَتَّجِهُ مِنَ التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ “ بِظُلْمٍ “، وَجْهَانِ‏:‏

أَحَدُهُمَا‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ‏}‏، أَيْ‏:‏ بَشِرْكِ مَنْ أَشْرَكَ، وَكُفْرِ مَنْ كَفَرَ مِنْ أَهْلِهَا، كَمَا قَالَ لُقْمَانُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ لُقْمَانَ‏:‏ 13‏]‏ ‏(‏وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ لَمْ يَكُنْ يُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ حَتَّى يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ رُسُلًا تُنَبِّهُهُمْ عَلَى حُجَجِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَتُنْذِرُهُمْ عَذَابَ اللَّهِ يَوْمَ مَعَادِهِمْ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالَّذِي يَأْخُذُهُمْ غَفْلَةً فَيَقُولُوا‏:‏ “ مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ “‏.‏

وَالْآخَرُ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ لَمْ يَكُنْ لِيُهْلِكَهُمْ دُونَ التَّنْبِيهِ وَالتَّذْكِيرِ بِالرُّسُلِ وَالْآيَاتِ وَالْعِبَرِ، فَيَظْلِمَهُمْ بِذَلِكَ، وَاللَّهُ غَيْرُ ظَلَّامٍ لِعَبِيدِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي، الْقَوْلُ الْأَوَّلُ‏:‏ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ‏:‏ أَنْ لَمْ يَكُنْ لِيُهْلِكَهُمْ بِشِرْكِهِمْ، دُونَ إِرْسَالِ الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ، وَالْإِعْذَارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ‏}‏، عَقِيبَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي‏}‏، فَكَانَ فِي ذَلِكَ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ نَصَّ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ‏}‏، إِنَّمَا هُوَ‏:‏ إِنَّمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّا لَا نُهْلِكُ الْقُرَى بِغَيْرِ تَذْكِيرٍ وَتَنْبِيهٍ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏ذَلِكَ‏)‏، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصْبًا، بِمَعْنَى‏:‏ فَعَلْنَا ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا، بِمَعْنَى الِابْتِدَاءِ، كَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ ذَلِكَ كَذَلِكَ‏.‏

وَأَمَّا “ أَنْ “، فَإِنَّهَا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، بِمَعْنَى‏:‏ فَعَلْنَا ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى فَإِذَا حُذِفَ مَا كَانَ يَخْفِضُهَا، تَعَلَّقَ بِهَا الْفِعْلُ فَنُصِبَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏132‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلِكُلِّ عَامِلٍ فِي طَاعَةِ اللَّهِ أَوْ مَعْصِيَتِهِ، مَنَازِلُ وَمَرَاتِبُ مِنْ عَمَلِهِ يُبَلِّغُهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، وَيُثِيبُهُ بِهَا، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرًا وَإِنَّ شَرًّا فَشَرًّا ‏{‏وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ‏}‏، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِمْ، يَا مُحَمَّدُ، بِعِلْمٍ مِنْ رَبِّكَ، يُحْصِيهَا وَيُثْبِتُهَا لَهُمْ عِنْدَهُ، لِيُجَازِيَهُمْ عَلَيْهَا عِنْدَ لِقَائِهِمْ إِيَّاهُ وَمَعَادِهِمْ إِلَيْهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏133‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُكَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ “ وَرَبُّكَ “، يَا مُحَمَّدُ، الَّذِي أَمَرَ عِبَادَهُ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ، وَنَهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ، وَأَثَابَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ، وَعَاقَبَهُمْ عَلَى الْمَعْصِيَةِ “ الْغَنِيُّ “، عَنْ عِبَادِهِ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ بِمَا أَمَرَ، وَنَهَاهُمْ عَمَّا نَهَى، وَعَنْ أَعْمَالِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَهُمُ الْمُحْتَاجُونَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِيَدِهِ حَيَاتُهُمْ وَمَمَاتُهُمْ، وَأَرْزَاقُهُمْ وَأَقْوَاتُهُمْ، وَنَفْعُهُمْ وَضُرُّهُمْ‏.‏ يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ‏:‏ فَلَمْ أَخْلُقْهُمْ، يَا مُحَمَّدُ، وَلَمْ آمُرْهُمْ بِمَا أَمَرْتُهُمْ بِهِ، وَأَنْهَهُمْ عَمَّا نَهَيْتُهُمْ عَنْهُ، لِحَاجَةٍ لِي إِلَيْهِمْ، وَلَا إِلَى أَعْمَالِهِمْ، وَلَكِنْ لِأَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِي، وَأُثِيبَهُمْ عَلَى إِحْسَانِهِمْ إِنْ أَحْسَنُوا، فَإِنِّي ذُو الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ‏}‏، فَإِنَّهُ يَقُولُ‏:‏ إِنْ يَشَأْ رَبُّكَ، يَا مُحَمَّدُ، الَّذِي خَلَقَ خَلْقَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مِنْهُ إِلَيْهِمْ وَإِلَى طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ ‏(‏يُذْهِبْكُمْ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ يُهْلِكْ خَلْقَهُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ خَلَقَهُمْ مِنْ وَلَدِ آدَمَ ‏{‏وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ غَيْرِكُمْ وَأُمَمٍ سِوَاكُمْ، يَخْلُفُونَكُمْ فِي الْأَرْضِ “ مِنْ بَعْدِكُمْ “، يَعْنِي‏:‏ مِنْ بَعْدِ فَنَائِكُمْ وَهَلَاكِكُمْ ‏{‏كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ‏}‏، كَمَا أَحْدَثَكُمْ وَابْتَدَعَكُمْ مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ آخَرِينَ كَانُوا قَبْلَكُمْ‏.‏

وَمَعْنَى “ مِنْ “ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ التَّعْقِيبُ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ‏:‏ “ أَعْطَيْتُكَ مِنْ دِينَارِكَ ثَوْبًا “، بِمَعْنَى‏:‏ مَكَانَ الدِّينَارِ ثَوْبًا، لَا أَنَّ الثَّوْبَ مِنَ الدِّينَارِ بَعْضٌ، كَذَلِكَ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏كَمَا أَنْشَأَكُمْ‏)‏، لَمْ يُرِدْ بِإِخْبَارِهِمْ هَذَا الْخَبَرَ أَنَّهُمْ أُنْشِئُوا مِنْ أَصْلَابِ قَوْمٍ آخَرِينَ، وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُمْ أُنْشِئُوا مَكَانَ خَلْقٍ خَلْفَ قَوْمٍ آخَرِينَ قَدْ هَلَكُوا قَبْلَهُمْ‏.‏

وَ “ الذُّرِّيَّةُ “ “ الْفُعْلِيَّةُ “، مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ “ ذَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ “، بِمَعْنَى خَلَقَهُمْ، “ فَهُوَ يَذْرَؤُهُمْ “، ثُمَّ تَرَكَ الْهَمْزَةَ فَقِيلَ‏:‏ “ ذَرَا اللَّهُ “، ثُمَّ أَخْرَجَ “ الْفُعْلِيَّةَ “ بِغَيْرِ هَمْزٍ، عَلَى مِثَالِ “ الْعُبِّيَّةِ “‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ‏:‏ “ مِنْ ذُرِّيئَةِ قَوْمٍ آخَرِينَ “ عَلَى مِثَالِ “ فُعِّيلَةِ “‏.‏

وَعَنْ آخَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ‏:‏ “ وَمِنْ ذِرِّيَّةِ “، عَلَى مِثَالِ “ عِلِّيَّةِ “‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي عَلَيْهَا الْقَرَأَةُ فِي الْأَمْصَارِ‏:‏ ‏(‏ذُرِّيَّةِ‏)‏، بِضَمِّ الذَّالِ، وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، عَلَى مِثَالِ “ عُبِّيَّةِ “‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا اشْتِقَاقُ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى قَبْلُ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَهُنَا‏.‏

وَأَصْلُ “ الْإِنْشَاءِ “، الْإِحْدَاثُ‏.‏ يُقَالُ‏:‏ “ قَدْ أَنْشَأَ فُلَانٌ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ “، بِمَعْنَى ابْتَدَأَ وَأَخَذَ فِيهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏134‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لِآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ‏:‏ أَيُّهَا الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، إِنَّ الَّذِي يُوعِدُكُمْ بِهِ رَبُّكُمْ مِنْ عِقَابِهِ عَلَى إِصْرَارِكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ، وَاقِعٌ بِكُمْ ‏(‏وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ لَنْ تُعْجِزُوا رَبَّكُمْ هَرَبًا مِنْهُ فِي الْأَرْضِ فَتُفَوِّتُوهُ؛ لِأَنَّكُمْ حَيْثُ كُنْتُمْ فِي قَبْضَتِهِ، وَهُوَ عَلَيْكُمْ وَعَلَى عُقُوبَتِكُمْ بِمَعْصِيَتِكُمْ إِيَّاهُ قَادِرٌ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ فَاحْذَرُوهُ وَأَنِيبُوا إِلَى طَاعَتِهِ، قَبْلَ نُزُولِ الْبَلَاءِ بِكُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏135‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ “ قُلْ “، يَا مُحَمَّدُ، لِقَوْمِكَ مِنْ قُرَيْشٍ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ‏:‏ ‏{‏اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ اعْمَلُوا عَلَى حِيَالِكُمْ وَنَاحِيَتِكُمْ‏.‏ كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ عَلَى نَاحِيَتِكُمْ‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ “ هُوَ يَعْمَلُ عَلَى مَكَانَتِهِ، وَمَكِينَتِهِ “‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ “ عَلَى مَكَانَاتِكُمْ “، عَلَى جَمْعِ “ الْمَكَانَةِ “‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالَّذِي عَلَيْهِ قَرَأَةُ الْأَمْصَارِ‏:‏ ‏(‏عَلَى مَكَانَتِكُمْ‏)‏، عَلَى التَّوْحِيدِ‏.‏

‏(‏إِنِّي عَامِلٌ‏)‏، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، لِنَبِيِّهِ‏:‏ قُلْ لَهُمْ‏:‏ اعْمَلُوا مَا أَنْتُمْ عَامِلُونَ، فَإِنِّي عَامِلٌ مَا أَنَا عَامِلُهُ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ رَبِّي ‏(‏فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عِنْدَ نُزُولِ نِقْمَةِ اللَّهِ بِكُمْ، أَيُّنَا كَانَ الْمُحِقَّ فِي عَمَلِهِ، وَالْمُصِيبَ سَبِيلَ الرَّشَادِ، أَنَا أَمْ أَنْتُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ‏:‏ قُلْ لِقَوْمِكَ‏:‏ ‏{‏يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ‏}‏، أَمْرٌ مِنْهُ لَهُ بِوَعِيدِهِمْ وَتَهَدُّدِهِمْ، لَا إِطْلَاقٌ لَهُمْ فِي عَمَلِ مَا أَرَادُوا مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏135‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ‏}‏، فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ، أَيُّهَا الْكَفَرَةُ بِاللَّهِ، عِنْدَ مُعَايَنَتِكُمُ الْعَذَابَ، مَنِ الَّذِي تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ مِنَّا وَمِنْكُمْ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ مَنِ الَّذِي تُعْقِبُهُ دُنْيَاهُ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْهَا أَوْ شَرٌّ مِنْهَا، بِمَا قَدَّمَ فِيهَا مِنْ صَالِحِ أَعْمَالِهِ أَوْ سَيِّئِهَا‏.‏

ثُمَّ ابْتَدَأَ الْخَبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَّهُ لَا يَنْجَحُ وَلَا يَفُوزُ بِحَاجَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْ عَمِلَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْعَمَلِ فِي الدُّنْيَا وَذَلِكَ مَعْنَى‏:‏ “ ظُلْمِ الظَّالِمِ “، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏.‏

وَفِي “ مَنْ “ الَّتِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏مَنْ تَكُونُ‏)‏، لَهُ وَجْهَانِ مِنَ الْإِعْرَابِ‏:‏

الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ‏.‏

وَالنَّصْبُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏تَعْلَمُونَ‏)‏، وَلِإِعْمَالِ “ الْعِلْمِ “ فِيهِ‏.‏

وَالرَّفْعُ فِيهِ أَجْوَدُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ‏:‏ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ أَيُّنَا لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ‏؟‏ فَالِابْتِدَاءُ فِي “ مَنْ “، أَصَحُّ وَأَفْصَحُ مِنْ إِعْمَالِ “ الْعِلْمِ “ فِيهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏136‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَجَعَلَ هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ لِرَبِّهِمْ ‏(‏مِمَّا ذَرَأَ‏)‏ خَالِقُهُمْ، يَعْنِي‏:‏ مِمَّا خَلَقَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ‏.‏

يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ “ ذَرَأَ اللَّهُ الْخَلْقَ يَذْرَؤُهُمْ ذَرْءًا، وَذَرْوًا “، إِذَا خَلَقَهُمْ‏.‏

“ نَصِيبًا “، يَعْنِي قِسْمًا وَجُزْءًا‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي صِفَةِ النَّصِيبِ الَّذِي جَعَلُوا لِلَّهِ، وَالَّذِي جَعَلُوهُ لِشُرَكَائِهِمْ مِنَ الْأَوْثَانِ وَالشَّيْطَانِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ جُزْءًا مِنْ حُرُوثِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ يُفْرِزُونَهُ لِهَذَا، وَجُزْءًا آخَرَ لِهَذَا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ‏{‏فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ‏}‏، الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ كَانُوا إِذَا أَدْخَلُوا الطَّعَامَ فَجَعَلُوهُ حُزَمًا، جَعَلُوا مِنْهَا لِلَّهِ سَهْمًا، وَسَهْمًا لِآلِهَتِهِمْ‏.‏ وَكَانَ إِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ مِنْ نَحْوِ الَّذِي جَعَلُوهُ لِآلِهَتِهِمْ إِلَى الَّذِي جَعَلُوهُ لِلَّهِ، رَدُّوهُ إِلَى الَّذِي جَعَلُوهُ لِآلِهَتِهِمْ‏.‏ وَإِذَا هَبَّتِ الرِّيحُ مِنْ نَحْوِ الَّذِي جَعَلُوهُ لِلَّهِ إِلَى الَّذِي جَعَلُوهُ لِآلِهَتِهِمْ، أَقَرُّوهُ وَلَمْ يَرُدُّوهُ‏.‏ فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ جَعَلُوا لِلَّهِ مِنْ ثَمَرَاتِهِمْ وَمَا لَهُمْ نَصِيبًا، وَلِلشَّيْطَانِ وَالْأَوْثَانِ نَصِيبًا‏.‏ فَإِنْ سَقَطَ مِنْ ثَمَرَةِ مَا جَعَلُوا لِلَّهِ فِي نَصِيبِ الشَّيْطَانِ تَرَكُوهُ، وَإِنْ سَقَطَ مِمَّا جَعَلُوهُ لِلشَّيْطَانِ فِي نَصِيبِ اللَّهِ الْتَقَطُوهُ وَحَفِظُوهُ وَرَدُّوهُ إِلَى نَصِيبِ الشَّيْطَانِ، وَإِنِ انْفَجَرَ مِنْ سَقْيِ مَا جَعَلُوهُ لِلَّهِ فِي نَصِيبِ الشَّيْطَانِ تَرَكُوهُ، وَإِنِ انْفَجَرَ مِنْ سَقْيِ مَا جَعَلُوهُ لِلشَّيْطَانِ فِي نَصِيبِ اللَّهِ سَدُّوهُ‏.‏ فَهَذَا مَا جَعَلُوا مِنَ الْحُرُوثِ وَسَقْيِ الْمَاءِ‏.‏ وَأَمَّا مَا جَعَلُوا لِلشَّيْطَانِ مِنَ الْأَنْعَامِ فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الْمَائِدَةِ‏:‏ 103‏]‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ‏}‏، الْآيَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ أَعْدَاءَ اللَّهِ كَانُوا إِذَا احْتَرَثُوا حَرْثًا، أَوْ كَانَتْ لَهُمْ ثَمَرَةٌ، جَعَلُوا لِلَّهِ مِنْهَا جُزْءًا وَلِلْوَثَنِ جُزْءًا، فَمَا كَانَ مِنْ حَرْثٍ أَوْ ثَمَرَةٍ أَوْ شَيْءٍ مِنْ نَصِيبِ الْأَوْثَانِ حَفِظُوهُ وَأَحْصَوْهُ‏.‏ فَإِنْ سَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ فِيمَا سُمِّيَ لِلَّهِ رَدُّوهُ إِلَى مَا جَعَلُوا لِلْوَثَنِ‏.‏ وَإِنْ سَبْقَهُمُ الْمَاءُ إِلَى الَّذِي جَعَلُوهُ لِلْوَثَنِ، فَسَقَى شَيْئًا جَعَلُوهُ لِلَّهِ‏.‏ جَعَلُوا ذَلِكَ لِلْوَثَنِ، وَإِنْ سَقَطَ شَيْءٌ مِنَ الْحَرْثِ وَالثَّمَرَةِ الَّتِي جَعَلُوا لِلَّهِ‏.‏ فَاخْتَلَطَ بِالَّذِي جَعَلُوا لِلْوَثَنِ، قَالُوا‏:‏ “ هَذَا فَقِيرٌ “‏!‏ وَلَمْ يَرُدُّوهُ إِلَى مَا جَعَلُوا لِلَّهِ‏.‏ وَإِنْ سَبْقَهُمُ الْمَاءُ الَّذِي جَعَلُوا لِلَّهِ فَسَقَى مَا سُمِّيَ لِلْوَثَنِ، تَرَكُوهُ لِلْوَثَنِ‏.‏ وَكَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ أَنْعَامِهِمُ الْبَحِيرَةَ وَالسَّائِبَةَ وَالْوَصِيلَةَ وَالِحَامِ، فَيَجْعَلُونَهُ لِلْأَوْثَانِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يُحَرِّمُونَهُ لِلَّهِ‏.‏ فَقَالَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا‏}‏، الْآيَةَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا‏}‏، قَالَ‏:‏ يُسَمُّونَ لِلَّهِ جُزْءًا مِنَ الْحَرْثِ، وَلِشُرَكَائِهِمْ وَأَوْثَانِهِمْ جُزْءًا، فَمَا ذَهَبَتِ بِهِ الرِّيحُ مِمَّا سَمَّوْا لِلَّهِ إِلَى جُزْءِ أَوْثَانِهِمْ تَرَكُوهُ، وَمَا ذَهَبَ مِنْ جُزْءِ أَوْثَانِهِمْ إِلَى جُزْءِ اللَّهِ رَدُّوهُ، وَقَالُوا‏:‏ “ اللَّهُ عَنْ هَذَا غَنِيٌّ “‏!‏‏.‏ “وَالْأَنْعَامِ “‏:‏ السَّائِبَةُ وَالْبَحِيرَةُ الَّتِي سَمَّوْا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا‏}‏، الْآيَةَ، عَمَدَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ فَجَزَّءُوا مِنْ حُرُوثِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ جُزْءًا لِلَّهِ وَجُزْءًا لِشُرَكَائِهِمْ‏.‏ وَكَانُوا إِذَا خَالَطَ شَيْءٌ مِمَّا جَزَّءُوا لِلَّهِ فِيمَا جَزَّءُوا لِشُرَكَائِهِمْ خَلَّوْهُ‏.‏ فَإِذَا خَالَطَ شَيْءٌ مِمَّا جَزَّءُوا لِشُرَكَائِهِمْ فِيمَا جَزَّءُوا لِلَّهِ رَدُّوهُ عَلَى شُرَكَائِهِمْ‏.‏ وَكَانُوا إِذَا أَصَابَتْهُمُ السَّنَةُ اسْتَعَانُوا بِمَا جَزَّءُوا لِلَّهِ، وَأَقَرُّوا مَا جَزَّءُوا لِشُرَكَائِهِمْ، قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏(‏سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا يُجَزِّئُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا، فَيَقُولُونَ‏:‏ “ هَذَا لِلَّهِ، وَهَذَا لِلْأَصْنَامِ “، الَّتِي يَعْبُدُونَ‏.‏ فَإِذَا ذَهَبَ بَعِيرٌ مِمَّا جَعَلُوا لِشُرَكَائِهِمْ، فَخَالَطَ مَا جَعَلُوا لِلَّهِ رَدُّوهُ‏.‏ وَإِنْ ذَهَبَ مِمَّا جَعَلُوهُ لِلَّهِ فَخَالَطَ شَيْئًا مِمَّا جَعَلُوهُ لِشُرَكَائِهِمْ تَرَكُوهُ‏.‏ وَإِنْ أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ، أَكَلُوا مَا جَعَلُوا لِلَّهِ، وَتَرَكُوا مَا جَعَلُوا لِشُرَكَائِهِمْ، فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏(‏سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ‏)‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا‏}‏ إِلَى ‏(‏يَحْكُمُونَ‏)‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا يُقَسِّمُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ قِسْمًا فَيَجْعَلُونَهُ لِلَّهِ، وَيَزْرَعُونَ زَرْعًا فَيَجْعَلُونَهُ لِلَّهِ، وَيَجْعَلُونَ لِآلِهَتِهِمْ مِثْلَ ذَلِكَ‏.‏ فَمَا خَرَجَ لِلْآلِهَةِ أَنْفَقُوهُ عَلَيْهَا، وَمَا خَرَجَ لِلَّهِ تَصَدَّقُوا بِهِ‏.‏ فَإِذَا هَلَكَ الَّذِي يَصْنَعُونَ لِشُرَكَائِهِمْ، وَكَثُرَ الَّذِي لِلَّهِ قَالُوا‏:‏ “ لَيْسَ بُدٌّ لِآلِهَتِنَا مِنْ نَفَقَةٍ “، وَأَخَذُوا الَّذِي لِلَّهِ فَأَنْفَقُوهُ عَلَى آلِهَتِهِمْ‏.‏ وَإِذَا أَجْدَبَ الَّذِي لِلَّهِ، وَكَثُرَ الَّذِي لِآلِهَتِهِمْ، قَالُوا‏:‏ “ لَوْ شَاءَ أَزْكَى الَّذِي لَهُ “‏!‏ فَلَا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ شَيْئًا مِمَّا لِلْآلِهَةِ‏.‏ قَالَ اللَّهُ‏:‏ لَوْ كَانُوا صَادِقِينَ فِيمَا قَسَّمُوا، لَبِئْسَ إِذًا مَا حَكَمُوا‏:‏ أَنْ يَأْخُذُوا مِنِّي وَلَا يُعْطُونِي‏.‏ فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ‏:‏ ‏(‏سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ‏)‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ “ النَّصِيبُ “ الَّذِي كَانُوا يَجْعَلُونَهُ لِلَّهِ فَكَانَ يَصِلُ مِنْهُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ‏:‏ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَأْكُلُونَ مَا ذَبَحُوا لِلَّهِ حَتَّى يُسَمُّوا الْآلِهَةَ، وَكَانُوا مَا ذَبَحُوهُ لِلْآلِهَةِ يَأْكُلُونَهُ وَلَا يُسَمُّونَ اللَّهَ عَلَيْهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا‏}‏ حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَائِهِمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ كُلُّ شَيْءٍ جَعَلُوهُ لِلَّهِ مِنْ ذِبْحٍ يَذْبَحُونَهُ، لَا يَأْكُلُونَهُ أَبَدًا حَتَّى يَذْكُرُوا مَعَهُ أَسْمَاءَ الْآلِهَةِ‏.‏ وَمَا كَانَ لِلْآلِهَةِ لَمْ يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ مَعَهُ، وَقَرَأَ الْآيَةَ حَتَّى بَلَغَ‏:‏ ‏(‏سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ‏)‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالْآيَةِ مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَنْ قَالَ بِمِثْلِ قَوْلِهِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ جَعَلُوا لِلَّهِ مِنْ حَرْثِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ قِسْمًا مُقَدَّرًا، فَقَالُوا‏:‏ “ هَذَا لِلَّهِ “ وَجَعَلُوا مِثْلَهُ لِشُرَكَائِهِمْ، وَهُمْ أَوْثَانُهُمْ، بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَيْهِ، فَقَالُوا‏:‏ “ هَذَا لِشُرَكَائِنَا “ وَإِنَّ نَصِيبَ شُرَكَائِهِمْ لَا يَصِلُ مِنْهُ إِلَى اللَّهِ، بِمَعْنَى‏:‏ لَا يَصِلُ إِلَى نَصِيبِ اللَّهِ، وَمَا كَانَ لِلَّهِ وَصَلَ إِلَى نَصِيبِ شُرَكَائِهِمْ‏.‏ فَلَوْ كَانَ وُصُولُ ذَلِكَ بِالتَّسْمِيَةِ وَتَرْكِ التَّسْمِيَةِ، كَانَ أَعْيَانُ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ، جَائِزًا أَنْ تَكُونَ قَدْ وَصَلَتْ، وَمَا أَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ، لَمْ يَصِلْ‏.‏ وَذَلِكَ خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْكَلَامِ؛ لِأَنَّ الذَّبِيحَتَيْنِ تُذْبَحُ إِحْدَاهُمَا لِلَّهِ، وَالْأُخْرَى لِلْآلِهَةِ، جَائِزٌ أَنْ تَكُونَ لُحُومُهُمَا قَدِ اخْتَلَطَتْ، وَخَلَطُوهَا إِذْ كَانَ الْمَكْرُوهُ عِنْدَهُمْ تَسْمِيَةُ اللَّهِ عَلَى مَا كَانَ مَذْبُوحًا لِلْآلِهَةِ، دُونَ اخْتِلَاطِ الْأَعْيَانِ وَاتِّصَالِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ‏)‏، فَإِنَّهُ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ فِعْلِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ‏.‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَقَدْ أَسَاءُوا فِي حُكْمِهِمْ، إِذْ أَخَذُوا مِنْ نَصِيبِي لِشُرَكَائِهِمْ، وَلَمْ يُعْطُونِي مِنْ نَصِيبِ شُرَكَائِهِمْ‏.‏ وَإِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْخَبَرَ عَنْ جَهْلِهِمْ وَضَلَالَتِهِمْ، وَذَهَابِهِمْ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ، بِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْضَوْا أَنْ عَدَلُوا بِمَنْ خَلَقَهُمْ وَغَذَّاهُمْ، وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ بِالنِّعَمُ الَّتِي لَا تُحْصَى، مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ، حَتَّى فَضَّلُوهُ فِي أَقْسَامِهِمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ بِالْقَسْمِ عَلَيْهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏137‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَكَمَا زَيَّنَ شُرَكَاءُ هَؤُلَاءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمُ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ لَهُمْ مَا زَيَّنُوا لَهُمْ، مِنْ تَصْيِيرِهِمْ لِرَبِّهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ قَسْمًا بِزَعْمِهِمْ، وَتَرْكِهِمْ مَا وَصَلَ مِنَ الْقَسْمِ الَّذِي جَعَلُوهُ لِلَّهِ إِلَى قَسْمِ شُرَكَائِهِمْ فِي قَسْمِهِمْ، وَرَدِّهِمْ مَا وَصَلَ مِنَ الْقَسْمِ الَّذِي جَعَلُوهُ لِشُرَكَائِهِمْ إِلَى قَسْمِ نَصِيبِ اللَّهِ، إِلَى قَسْمِ شُرَكَائِهِمْ كَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ، فَحَسَّنُوا لَهُمْ وَأْدَ الْبَنَاتِ ‏(‏لِيَرُدُّوهُمْ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ لِيُهْلِكُوهُمْ ‏(‏وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ‏)‏، فَعَلُوا ذَلِكَ بِهِمْ، لِيَخْلِطُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ فَيَلْتَبِسَ، فَيَضِلُّوا وَيَهْلَكُوا، بِفِعْلِهِمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ لَا يَفْعَلُوا مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ مِنْ قَتْلِهِمْ لَمْ يَفْعَلُوهُ، بِأَنْ كَانَ يَهْدِيهِمْ لِلْحَقِّ، وَيُوَفِّقُهُمْ لِلسَّدَادِ، فَكَانُوا لَا يَقْتُلُونَهُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ خَذَلَهُمْ عَنِ الرَّشَادِ فَقَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ، وَأَطَاعُوا الشَّيَاطِينَ الَّتِي أَغْوَتْهُمْ‏.‏

يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ، مُتَوَعِّدًا لَهُمْ عَلَى عَظِيمِ فِرْيَتِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ فِيمَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْأَنْصِبَاءِ الَّتِي يَقْسِمُونَهَا‏:‏ “ هَذَا لِلَّهِ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا “، وَفِي قَتْلِهِمْ أَوْلَادَهُمْ “ ذَرْهُمْ “، يَا مُحَمَّدُ، “ وَمَا يَفْتَرُونَ “، وَمَا يَتَقَوَّلُونَ عَلَيَّ مِنَ الْكَذِبِ وَالزُّورِ، فَإِنِّي لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ، وَمِنْ وَرَائِهِمُ الْعَذَابُ وَالْعِقَابُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ‏}‏، زَيَّنُوا لَهُمْ، مِنْ قَتْلِ أَوْلَادِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ‏}‏، شَيَاطِينُهُمْ، يَأْمُرُونَهُمْ أَنْ يَئِدُوا أَوْلَادَهُمْ خِيفَةَ الْعَيْلَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ‏}‏ الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ شُرَكَاؤُهُمْ زَيَّنُوا لَهُمْ ذَلِكَ ‏{‏وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ شَيَاطِينُهُمُ الَّتِي عَبَدُوهَا، زَيَّنُوا لَهُمْ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ‏}‏، أَمَرَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ أَنْ يَقْتُلُوا الْبَنَاتِ‏.‏ وَإِمَّا ‏(‏لِيُرْدُوهُمْ‏)‏، فَيُهْلِكُوهُمْ‏.‏ وَإِمَّا ‏{‏لِيَلْبَسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ‏}‏، فَيَخْلِطُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَرَأَتْهُ قَرَأَةُ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ‏:‏ ‏(‏وَكَذَلِكَ زَيَّنَ‏)‏، بِفَتْحِ الزَّايِ مِنْ “ زَيَّنَ “، ‏{‏لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ‏}‏، بِنَصْبِ الْقَتْلِ، ‏(‏شُرَكَاؤُهُمْ‏)‏، بِالرَّفْعِ بِمَعْنَى أَنَّ شُرَكَاءَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ زَيَّنُوا لَهُمْ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ فَيَرْفَعُونَ “ الشُّرَكَاءَ “ بِفِعْلِهِمْ، وَيَنْصِبُونَ “ الْقَتْلَ “؛ لِأَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قَرَأَةِ أَهْلِ الشَّامِ‏:‏ “ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ “ بِضَمِّ الزَّايِ “ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ “ بِالرَّفْعِ “ أَوْلَادَهُمْ “ بِالنَّصْبِ “ شُرَكَائِهِمْ “ بِالْخَفْضِ بِمَعْنَى‏:‏ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ شُرَكَائِهِمْ أَوْلَادَهُمْ، فَفَرَّقُوا بَيْنَ الْخَافِضِ وَالْمَخْفُوضِ بِمَا عَمِلَ فِيهِ مِنَ الِاسْمِ‏.‏ وَذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَبِيحٌ غَيْرُ فَصِيحٍ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحِجَازِ بَيْتٌ مِنَ الشِّعْرِ يُؤَيِّدُ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ بِمَا ذَكَرْتُ مِنْ قَرَأَةِ أَهْلِ الشَّأْمِ، رَأَيْتُ رُوَاةَ الشِّعْرِ وَأَهْلَ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ يُنْكِرُونَهُ، وَذَلِكَ قَوْلُ قَائِلِهِمْ‏:‏

فَزَجَجْتُهُ مُتَمَكِّنًا زَجَّ *** الْقَلُوصَ أَبِي مَزَادَهْ

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ غَيْرَهَا‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ‏}‏، بِفَتْحِ الزَّايِ مِنْ “ زَيَّنَ “، وَنَصْبِ “ الْقَتْلِ “ بِوُقُوعِ “ زَيَّنَ “ عَلَيْهِ، وَخَفْضِ “ أَوْلَادِهِمْ “ بِإِضَافَةِ “ الْقَتْلِ “ إِلَيْهِمْ، وَرَفْعِ “ الشُّرَكَاءِ “ بِفِعْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ زَيَّنُوا لِلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ، عَلَى مَا ذَكَرْتُ مِنَ التَّأْوِيلِ‏.‏

وَإِنَّمَا قُلْتُ‏:‏ “ لَا أَسْتَجِيزُ الْقِرَاءَةَ بِغَيْرِهَا “، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقَرَأَةِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ تَأْوِيلَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِذَلِكَ وَرَدَ، فَفِي ذَلِكَ أَوْضَحُ الْبَيَانِ عَلَى فَسَادِ مَا خَالَفَهَا مِنَ الْقِرَاءَةِ‏.‏

وَلَوْلَا أَنَّ تَأْوِيلَ جَمِيعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ بِذَلِكَ وَرَدَ، ثُمَّ قَرَأَ قَارِئٌ‏:‏ “ وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلُ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَائِهِمْ “، بِضَمِّ الزَّايِ مِنْ “ زَيَّنَ “، وَرَفْعِ “ الْقَتْلِ “، وَخَفْضِ “ الْأَوْلَادِ “ وَ“ الشُّرَكَاءِ “، عَلَى أَنَّ “ الشُّرَكَاءَ “ مَخْفُوضُونَ بِالرَّدِّ عَلَى “ الْأَوْلَادِ “، بِأَنَّ “ الْأَوْلَادَ “ شُرَكَاءُ آبَائِهِمْ فِي النَّسَبِ وَالْمِيرَاثِ كَانَ جَائِزًا‏.‏

وَلَوْ قَرَأَهُ كَذَلِكَ قَارِئٌ، غَيْرَ أَنَّهُ رَفَعَ “ الشُّرَكَاءَ “ وَخَفَضَ “ الْأَوْلَادَ “، كَمَا يُقَالُ‏:‏ “ ضُرِبَ عَبْدُ اللَّهِ أَخُوكَ “، فَيَظْهَرُ الْفَاعِلُ، بَعْدَ أَنْ جَرَى الْخَبَرُ بِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا فِي الْعَرَبِيَّةِ جَائِزًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏138‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ وَيُحَلِّلُونَ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَذِنَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْعَادِلُونَ بِرَبِّهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، جَهْلًا مِنْهُمْ، لِأَنْعَامٍ لَهُمْ وَحَرْثٍ‏:‏ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَهَذَا حَرْثٌ حِجْرٌ يَعْنِي بِ “ الْأَنْعَامِ “ وَ“ الْحَرْثِ “ مَا كَانُوا جَعَلُوهُ لِلَّهِ وَلِآلِهَتِهِمْ، الَّتِي قَدْ مَضَى ذَكَرُهَا فِي الْآيَةِ قَبْلَ هَذِهِ‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ إِنَّ الْأَنْعَامَ السَّائِبَةُ وَالْوَصِيلَةُ وَالْبَحِيرَةُ الَّتِي سَمَّوْا‏.‏

حَدَّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ الْأَنْعَامُ‏:‏ السَّائِبَةُ وَالْبَحِيرَةُ الَّتِي سَمَّوْا‏.‏

وَ “ الْحِجْرُ “ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، الْحَرَامُ‏.‏ يُقَالُ‏:‏ “ حَجَرْتُ عَلَى فُلَانٍ كَذَا “، أَيْ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الْفُرْقَانِ‏:‏ 22‏]‏، وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُتَلَمِّسِ‏:‏

حَنَّتْ إِلَى النَّخْلَةِ الْقُصْوَى فَقُلْتُ لَهَا‏:‏ حِجْرٌ حَرَامٌ، أَلَا ثَمَّ الدَّهَارِيسُ

وَقَوْلُ رُؤْبَةَ، ‏[‏الْعَجَّاجِ‏]‏‏:‏

وَجَارَةُ الْبَيْتِ لَهَا حُجْرِيُّ

يَعْنِي الْمُحَرَّمَ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ‏:‏

فَبِتُّ مُرْتَفِقًا، وَالْعَيْنُ سَاهِرَةٌ *** كَأَنَّ نَوْمِي عَلَيَّ اللَّيْلَ مَحْجُورُ

أَيْ حَرَامٌ‏.‏ يُقَالُ‏:‏ “ حِجْرٌ “ وَ“ حُجْرٌ “، بِكَسْرِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا‏.‏

وَبِضَمِّهَا كَانَ يَقْرَأُ، فِيمَا ذُكِرَ، الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُِ عَبْدِ الصَّمَدِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي ‏[‏قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي‏]‏ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ‏:‏ كَانَ يَقْرَؤُهَا‏:‏ “ وَحَرْثٌ حُجْرٌ “، يَقُولُ‏:‏ حَرَامٌ، مَضْمُومَةُ الْحَاءِ‏.‏

وَأَمَّا الْقَرَأَةُ مِنْ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ، فَعَلَى كَسْرِهَا‏.‏ وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَسْتَجِيزُ خِلَافَهَا، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقَرَأَةِ عَلَيْهَا، وَأَنَّهَا اللُّغَةُ الْجُودَى مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ‏.‏

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا‏:‏ “ وَحَرْثٌ حِرْجٌ “، بِالرَّاءِ قَبْلَ الْجِيمِ‏.‏

حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا كَذَلِكَ‏.‏

وَهِيَ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ، مَعْنَاهَا وَمَعْنَى “ الْحِجْرِ “ وَاحِدٌ‏.‏ وَهَذَا كَمَا قَالُوا‏:‏ “ جَذَبَ “ وَ“ جَبَذَ “، وَ“ نَاءَ “ وَ“ نَأَى “‏.‏

فَفِي “ الْحِجْرِ “، إِذًا، لُغَاتٌ ثَلَاثٌ‏:‏ “ حِجْرٌ “ بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَالْجِيمُ قَبْلَ الرَّاءِ “ وَحُجْرٌ “ بِضَمِّ الْحَاءِ، وَالْجِيمُ قَبْلَ الرَّاءِ وَ“ حِرْجٌ “، بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَالرَّاءُ قَبْلَ الْجِيمِ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ الْحِجْرِ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى الْقَزَّازُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَأَبِي عَمْرٍو‏:‏ ‏{‏وَحَرْثٌ حِجْرٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ حَرَامٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَحَرْثٌ حِجْرٌ‏}‏، فَالْحِجْرُ‏.‏ مَا حَرَّمُوا مِنَ الْوَصِيلَةِ، وَتَحْرِيمُ مَا حَرَّمُوا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَحَرْثٌ حِجْرٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ حَرَامٌ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ‏}‏ الْآيَةَ، تَحْرِيمٌ كَانَ عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّيَاطِينِ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَتَغْلِيظٌ وَتَشْدِيدٌ‏.‏ وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّيَاطِينِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ أَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ‏}‏، فَيَقُولُونَ‏:‏ حَرَامٌ أَنْ نُطْعِمَ إِلَّا مَنْ شِئْنَا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ‏}‏، نَحْتَجِرُهَا عَلَى مَنْ نُرِيدُ وَعَمَّنْ نُرِيدُ، لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ، بِزَعْمِهِمْ‏.‏ قَالَ‏:‏ إِنَّمَا احْتَجَرُوا ذَلِكَ لِآلِهَتِهِمْ، وَقَالُوا‏:‏ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ‏)‏، قَالُوا‏:‏ نَحْتَجِرُهَا عَنِ النِّسَاءِ، وَنَجْعَلُهَا لِلرِّجَالِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ‏)‏، أَمَّا “ حِجْرٌ “، يَقُولُ‏:‏ مُحَرَّمٌ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَشْيَاءَ لَمْ يَأْمُرِ اللَّهُ بِهَا، كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ أَنْعَامِهِمْ أَشْيَاءَ لَا يَأْكُلُونَهَا، وَيَعْزِلُونَ مِنْ حَرْثِهِمْ شَيْئًا مَعْلُومًا لِآلِهَتِهِمْ، وَيَقُولُونَ‏:‏ لَا يَحِلُّ لَنَا مَا سَمَّيْنَا لِآلِهَتِنَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ‏)‏، مَا جَعَلُوهُ لِلَّهِ وَلِشُرَكَائِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏138‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَحَرَّمَ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ظُهُورَ بَعْضِ أَنْعَامِهِمْ، فَلَا يَرْكَبُونَ ظُهُورَهَا، وَهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِرِسْلِهَا وَنِتَاجِهَا وَسَائِرِ الْأَشْيَاءِ مِنْهَا غَيْرِ ظُهُورِهَا لِلرُّكُوبِ‏.‏ وَحَرَّمُوا مِنْ أَنْعَامِهِمْ أَنْعَامًا أُخَرَ، فَلَا يَحُجُّونَ عَلَيْهَا، وَلَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ رَكِبُوهَا بِحَالٍ، وَلَا إِنْ حَلَبُوهَا، وَلَا إِنْ حَمَلُوا عَلَيْهَا‏.‏

وَبِمَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ قَالَ لِي أَبُو وَائِلٍ‏:‏ أَتَدْرِي مَا ‏"‏أَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا ‏"‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ لَا‏!‏ قَالَ‏:‏ أَنْعَامٌ لَا يَحُجُّونَ عَلَيْهَا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ مُوسَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَاذَانُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ قَالَ لِي أَبُو وَائِلٍ‏:‏ أَتَدْرِي مَا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا‏)‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ‏:‏ لَا‏!‏ قَالَ‏:‏ هِيَ الْبَحِيرَةُ، كَانُوا لَا يَحُجُّونَ عَلَيْهَا‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الشَّهِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ‏:‏ ‏{‏وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا يَحُجُّونَ عَلَيْهَا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ أَمَّا‏:‏ ‏(‏أَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا‏)‏، فَهِيَ الْبَحِيرَةُ وَالسَّائِبَةُ وَالِحَامِ وَأَمَّا “ الْأَنْعَامُ الَّتِي لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا “، قَالَ‏:‏ إِذَا أَوْلَدُوهَا، وَلَا إِنْ نَحَرُوهَا‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ مِنْ إِبِلِهِمْ طَائِفَةٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهَا، لَا إِنْ رَكِبُوهَا، وَلَا إِنْ حَلَبُوا، وَلَا إِنْ حَمَلُوا، وَلَا إِنْ مَنَحُوا، وَلَا إِنْ عَمِلُوا شَيْئًا‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا يَرْكَبُهَا أَحَدٌ ‏{‏وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا‏}‏‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ‏)‏، فَإِنَّهُ يَقُولُ‏:‏ فَعَلَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مَا فَعَلُوا مِنْ تَحْرِيمِهِمْ مَا حَرَّمُوا، وَقَالُوا مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ، كَذِبًا عَلَى اللَّهِ، وَتَخَرُّصًا الْبَاطِلَ عَلَيْهِ‏;‏ لِأَنَّهُمْ أَضَافُوا مَا كَانُوا يُحَرِّمُونَ مِنْ ذَلِكَ، عَلَى مَا وَصَفَهُ عَنْهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي كِتَابِهِ، إِلَى أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي حَرَّمَهُ، فَنَفَى اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَكْذَبَهُمْ، وَأَخْبَرَ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ كَذِبَةٌ فِيمَا يَدَّعُونَ‏.‏

ثُمَّ قَالَ عَزَّ ذِكْرُهُ‏:‏ ‏(‏سَيَجْزِيهِمْ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ سَيُثِيبُهُمْ رَبُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ثَوَابَهُمْ، وَيَجْزِيهِمْ بِذَلِكَ جَزَاءَهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏139‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنِيِّ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ‏}‏‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عَنَى بِذَلِكَ اللَّبَنِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عَطِيَّةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ اللَّبَنُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا‏}‏، أَلْبَانُ الْبَحَائِرِ كَانَتْ لِلذُّكُورِ دُونَ النِّسَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً اشْتَرَكَ فِيهَا ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا فِي بُطُونِ الْبَحَائِرِ، يَعْنِي أَلْبَانَهَا، كَانُوا يَجْعَلُونَهُ لِلرِّجَالِ، دُونَ النِّسَاءِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ قَالَ‏:‏ “ الْبَحِيرَةُ “ لَا يَأْكُلُ مِنْ لَبَنِهَا إِلَّا الرِّجَالُ، وَإِنْ مَاتَ مِنْهَا شَيْءٌ أَكَلَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا‏}‏ الْآيَةَ، فَهُوَ اللَّبَنُ، كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ عَلَى إِنَاثِهِمْ، وَيَشْرَبُهُ ذُكْرَانُهُمْ‏.‏ وَكَانَتِ الشَّاةُ إِذَا وَلَدَتْ ذَكَرًا ذَبَحُوهُ، وَكَانَ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ‏.‏ وَإِنْ كَانَتْ أُنْثَى تُرْكَبُ لَمْ تُذْبَحْ‏.‏ وَإِنْ كَانَتْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ‏.‏ فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِذَلِكَ مَا فِي بُطُونِ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ مِنَ الْأَجِنَّةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ‏}‏، فَهَذِهِ الْأَنْعَامُ، مَا وُلِدَ مِنْهَا مِنْ حَيٍّ فَهُوَ خَالِصٌ لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ‏.‏ وَأَمَّا مَا وُلِدَ مِنْ مَيْتٍ، فَيَأْكُلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا‏}‏، السَّائِبَةُ وَالْبَحِيرَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي أَنْعَامٍ بِأَعْيَانِهَا‏:‏ “ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا دُونَ إِنَاثِنَا “، وَاللَّبَنُ مَا فِي بُطُونِهَا، وَكَذَلِكَ أَجَنَّتُهَا‏.‏ وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ بِالْخَبَرِ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ بَعْضُ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِنَّ دُونَ بَعْضٍ‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ مَا فِي بُطُونِ تِلْكَ الْأَنْعَامِ مِنْ لَبَنٍ وَجَنِينَ حِلٌّ لِذُكُورِهِمْ خَالِصَةٌ دُونَ إِنَاثِهِمْ، وَإِنَّهُمْ كَانُوا يُؤْثِرُونَ بِذَلِكَ رِجَالَهُمْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي فِي بُطُونِهَا مِنَ الْأَجِنَّةِ مَيْتًا، فَيَشْتَرِكَ حِينَئِذٍ فِي أَكْلِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُنِّثَتِ “ الْخَالِصَةُ “‏.‏

فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ أُنِّثَتْ لِتَحْقِيقِ “ الْخُلُوصِ “، كَأَنَّهُ لَمَّا حَقَّقَ لَهُمُ الْخُلُوصَ أَشْبَهَ الْكَثْرَةَ، فَجَرَى مَجْرَى “ رَاوِيَةٍ “ وَ“ نَسَّابَةٍ “‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ‏:‏ أُنِّثَتْ لِتَأْنِيثِ “ الْأَنْعَامِ “؛ لِأَنَّ “ مَا فِي بُطُونِهَا “، مِثْلُهَا، فَأُنِّثَتْ لِتَأْنِيثِهَا‏.‏ وَمَنْ ذَكَّرَهُ فَلِتَذْكِيرِ “ مَا “‏.‏ قَالَ‏:‏ وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ “ خَالِصٌ “‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَدْ تَكُونُ الْخَالِصَةُ فِي تَأْنِيثِهَا مَصْدَرًا، كَمَا تَقُولُ‏:‏ “ الْعَافِيَةُ “ وَ“ الْعَاقِبَةُ “، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ‏)‏ ‏[‏سُورَةُ ص‏:‏ 46‏]‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ‏:‏ أُرِيدَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ فِي خُلُوصِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ الَّتِي كَانُوا حَرَّمُوا مَا فِي بُطُونِهَا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ، لِذُكُورِهِمْ دُونَ إِنَاثِهِمْ، كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ “ بِالرَّاوِيَةِ “ وَ“ النَّسَّابَةِ “ وَ“ الْعَلَّامَةِ “، إِذَا أُرِيدَ بِهَا الْمُبَالَغَةُ فِي وَصْفِ مَنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ صِفَتِهِ، كَمَا يُقَالُ‏:‏ “ فُلَانٌ خَالِصَةُ فُلَانٍ، وَخُلْصَانُهُ “‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا‏)‏، فَإِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنِيِّ بِ “ الْأَزْوَاجِ “‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ عَنَى بِهَا النِّسَاءَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ النِّسَاءُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ عَنَى بِالْأَزْوَاجِ الْبَنَاتِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ “ الْأَزْوَاجُ “، الْبَنَاتُ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ لَيْسَ لِلْبَنَاتِ مِنْهُ شَيْءٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ لِمَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ يَعْنِي أَنْعَامَهُمْ‏:‏ “ هَذَا مُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا “، وَ“ الْأَزْوَاجُ “، إِنَّمَا هِيَ نِسَاؤُهُمْ فِي كَلَامِهِمْ، وَهُنَّ لَا شَكَّ بَنَاتُ مَنْ هُنَّ أَوْلَادُهُ، وَحَلَائِلُ مَنْ هُنَّ أَزْوَاجُهُ‏.‏

وَفِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏(‏وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا‏)‏، الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى أَنَّ تَأْنِيثَ “ الْخَالِصَةِ “، كَانَ لِمَا وَصَفْتُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي وَصْفِ مَا فِي بُطُونِ الْأَنْعَامِ بِالْخُلُوصَةِ لِلذُّكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِتَأْنِيثِ الْأَنْعَامِ لَقِيلَ‏:‏ وَ“ مُحَرَّمَةٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا “، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ التَّأْنِيثُ فِي “ الْخَالِصَةِ “ لِمَا ذَكَرْتُ، ثُمَّ لَمْ يَقْصِدْ فِي “ الْمُحَرَّمِ “ مَا قَصَدَ فِي “ الْخَالِصَةِ “ مِنَ الْمُبَالَغَةِ، رَجَعَ فِيهَا إِلَى تَذْكِيرِ “ مَا “، وَاسْتِعْمَالِ مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ صِفَتِهِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ‏}‏، فَاخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَرَأَهُ يَزِيدُ بْنُ الْقَعْقَاعِ، وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، فِي آخَرِينَ‏:‏ “ وَإِنْ تَكُنْ مَيْتَةٌ “ بِالتَّاءِ فِي “ تَكُنْ “، وَرَفْعِ “ مَيْتَةٌ “، غَيْرَ أَنَّ يَزِيدَ كَانَ يُشَدِّدُ الْيَاءَ مِنْ “ مَيِّتَةٌ “ وَيُخَفِّفُهَا طَلْحَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي بِذَلِكَ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَمَّادٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ‏.‏

وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ الْقَاسِمِ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قَرَأَةِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً‏)‏، بِالْيَاءِ، وَ“ مَيْتَةٌ “، بِالنَّصْبِ، وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ‏.‏

وَكَأَنَّ مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ يَكُنْ‏)‏، بِالْيَاءِ ‏(‏مَيْتَةً‏)‏ بِالنَّصْبِ، أَرَادَ‏:‏ وَإِنْ يَكُنْ مَا فِي بُطُونِ تِلْكَ الْأَنْعَامِ فَذَّكَرَ “ يَكُنْ “ لِتَذْكِيرِ “ مَا “ وَنَصَبَ “ الْمَيْتَةَ “؛ لِأَنَّهُ خَبَرُ “ يَكُنْ “‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَرَأَهُ‏:‏ “ وَإِنْ تَكُنْ مَيْتَةٌ “، فَإِنَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَرَادَ‏:‏ وَإِنْ تَكُنْ مَا فِي بُطُونِهَا مَيْتَةٌ، فَأَنَّثَ “ تَكُنْ “ لِتَأْنِيثِ “ مَيْتَةٌ “‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ‏)‏، فَإِنَّهُ يَعْنِي أَنَّ الرِّجَالَ وَأَزْوَاجَهُمْ شُرَكَاءُ فِي أَكْلِهِ، لَا يُحَرِّمُونَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ، كَمَا ذَكَرْنَا عَمَّنْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ عَنْهُ قَبْلُ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ

‏.‏

وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ‏}‏، قَالَ‏:‏ تَأْكُلُ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ، إِنْ كَانَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا مَيْتَةً، فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ، وَقَالُوا‏:‏ إِنْ شِئْنَا جَعْلَنَا لِلْبَنَاتِ فِيهِ نَصِيبًا، وَإِنْ شِئْنَا لَمْ نَجْعَلْ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَظَاهِرُ التِّلَاوَةِ بِخِلَافِ مَا تَأَوَّلَهُ ابْنُ زَيْدٍ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ “ إِنْ يَكُنْ مَا فِي بُطُونِهَا مَيْتَةً، فَنَحْنُ فِيهِ شُرَكَاءُ “ بِغَيْرِ شَرْطِ مَشِيئَةٍ‏.‏ وَقَدْ زَعَمَ ابْنُ زَيْدٍ أَنَّهُمْ جَعَلُوا ذَلِكَ إِلَى مَشِيئَتِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏139‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ “ سَيَجْزِي “، أَيْ‏:‏ سَيُثِيبُ وَيُكَافِئُ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَيْهِ الْكَذِبَ فِي تَحْرِيمِهِمْ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ، وَتَحْلِيلِهِمْ مَا لَمْ يُحَلِّلْهُ اللَّهُ، وَإِضَافَتِهِمْ كَذِبَهُمْ فِي ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَصْفَهُمْ‏)‏، يَعْنِي بِ “ وَصْفَهُمْ “، الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ، وَذَلِكَ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ‏:‏ ‏(‏وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ‏)‏، ‏[‏سُورَةُ النَّحْلِ‏:‏ 62‏]‏‏.‏

وَ “ الْوَصْفُ “ وَ“ الصِّفَةُ “ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَاحِدٌ، وَهُمَا مَصْدَرَانِ مِثْلَ “ الْوَزْنِ “ وَ“ الزِّنَةِ “‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى “ الْوَصْفِ “ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ قَوْلَهُمُ الْكَذِبَ فِي ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ‏:‏ ‏{‏سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ‏}‏ قَالَ‏:‏ كَذِبَهُمْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏(‏سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ‏)‏، أَيْ كَذِبَهُمْ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ‏)‏، فَإِنَّهُ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ فِي مُجَازَاتِهِمْ عَلَى وَصْفِهِمُ الْكَذِبَ وَقِيلِهِمُ الْبَاطِلَ عَلَيْهِ “ حَكِيمٌ “، فِي سَائِرِ تَدْبِيرِهِ فِي خَلْقِهِ “ عَلِيمٌ “، بِمَا يُصْلِحُهُمْ، وَبِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أُمُورِهِمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏140‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَدْ هَلَكَ هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرُونَ عَلَى رَبِّهِمُ الْكَذِبَ، الْعَادِلُونَ بِهِ الْأَوْثَانَ وَالْأَصْنَامَ، الَّذِينَ زَيَّنَ لَهُمْ شُرَكَاؤُهُمْ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ، وَتَحْرِيمَ ‏[‏مَا أَنْعَمْتُ بِهِ‏]‏ عَلَيْهِمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَقَتَلُوا طَاعَةً لَهَا أَوْلَادَهُمْ، وَحَرَّمُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ وَجَعَلَهُ لَهُمْ رِزْقًا مِنْ أَنْعَامِهِمْ “ سَفَهًا “، مِنْهُمْ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ فَعَلُوا مَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ جَهَالَةً مِنْهُمْ بِمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، وَنَقْصَ عُقُولٍ، وَضَعْفَ أَحْلَامٍ مِنْهُمْ، وَقِلَّةَ فَهْمٍ بِعَاجِلِ ضُرِّهِ وَآجِلِ مَكْرُوهِهِ، مِنْ عَظِيمِ عِقَابِ اللَّهِ عَلَيْهِ لَهُمْ ‏(‏افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ تَكَذُّبًا عَلَى اللَّهِ وَتَخَرُّصًا عَلَيْهِ الْبَاطِلَ ‏(‏قَدْ ضَلُّوا‏)‏، يَقُولُ‏:‏ قَدْ تَرَكُوا مَحَجَّةَ الْحَقِّ فِي فِعْلِهِمْ ذَلِكَ، وَزَالُوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ‏(‏وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَمْ يَكُنْ فَاعِلُو ذَلِكَ عَلَى هُدًى وَاسْتِقَامَةٍ فِي أَفْعَالِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَفْعَلُونَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَا كَانُوا مُهْتَدِينَ لِلصَّوَابِ فِيهَا، وَلَا مُوَفَّقِينَ لَهُ‏.‏

وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ ذَكَرَ اللَّهُ خَبَرَهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا‏}‏ الَّذِينَ كَانُوا يُبْحِرُونَ الْبَحَائِرَ، وَيُسِيِّبُونَ السَّوَائِبَ، وَيَئِدُونَ الْبَنَاتِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ عِكْرِمَةُ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِيمَنْ يَئِدُ الْبَنَاتِ مِنْ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ، كَانَ الرَّجُلُ يَشْتَرِطُ عَلَى امْرَأَتِهِ أَنْ تَسْتَحْيِيَ جَارِيَةً وَتَئِدَ أُخْرَى‏.‏ فَإِذَا كَانَتِ الْجَارِيَةُ الَّتِي تَئِدُ، غَدَا الرَّجُلُ أَوْ رَاحَ مِنْ عِنْدِ امْرَأَتِهِ، وَقَالَ لَهَا‏:‏ “ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إِنْ رَجَعْتُ إِلَيْكِ وَلَمْ تَئِدِيهَا “، فَتَخُدُّ لَهَا فِي الْأَرْضِ خَدًّا، وَتُرْسِلُ إِلَى نِسَائِهَا فَيَجْتَمِعْنَ عِنْدَهَا، ثُمَّ يَتَدَاوَلْنَهَا، حَتَّى إِذَا أَبْصَرَتْهُ رَاجِعًا دَسَّتْهَا فِي حُفْرَتِهَا، ثُمَّ سَوَّتْ عَلَيْهَا التُّرَابَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ثُمَّ ذَكَرَ مَا صَنَعُوا فِي أَوْلَادِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ‏}‏، فَقَالَ‏:‏ هَذَا صَنِيعُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ‏.‏ كَانَ أَحَدُهُمْ يَقْتُلُ ابْنَتَهُ مَخَافَةَ السِّبَاءِ وَالْفَاقَةِ، وَيَغْذُو كَلْبَهُ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ‏}‏، الْآيَةَ، وَهُمْ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ‏.‏ جَعَلُوا بَحِيرَةً وَسَائِبَةً وَوَصِيلَةً وَحَامِيًا، تَحَكُّمًا مِنَ الشَّيَاطِينِ فِي أَمْوَالِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ، فَاقْرَأْ مَا بَعْدَ الْمِائَةِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ‏}‏، الْآيَةَ‏.‏

وَكَانَ أَبُو رَزِينٍ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏قَدْ ضَلُّوا‏)‏، أَنَّهُ مَعْنِيٌّ بِهِ‏:‏ قَدْ ضَلُّوا قَبْلَ هَؤُلَاءِ الْأَفْعَالِ مِنْ قَتْلِ الْأَوْلَادِ، وَتَحْرِيمِ الرِّزْقِ الَّذِي رَزَقَهُمُ اللَّهُ بِأُمُورٍ غَيْرِ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبَى رَزِينٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏قَدْ ضَلُّوا‏)‏، قَالَ‏:‏ قَدْ ضَلُّوا قَبْلَ ذَلِكَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏141‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا إِعْلَامٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْلِهِ، وَتَنْبِيهٌ مِنْهُ لَهُمْ عَلَى مَوْضِعِ إِحْسَانِهِ، وَتَعْرِيفٌ مِنْهُ لَهُمْ مَا أَحَلَّ وَحَرَّمَ وَقَسَّمَ فِي أَمْوَالِهِمْ مِنَ الْحُقُوقِ لِمَنْ قَسَمَ لَهُ فِيهَا حَقًّا‏.‏

يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَرَبُّكُمْ، أَيُّهَا النَّاسُ ‏(‏أَنْشَأَ‏)‏، أَيْ أَحْدَثَ وَابْتَدَعَ خَلْقًا، لَا الْآلِهَةَ وَالْأَصْنَامَ ‏(‏جَنَّاتٍ‏)‏، يَعْنِي‏:‏ بَسَاتِينَ ‏(‏مَعْرُوشَاتٍ‏)‏، وَهِيَ مَا عَرَشَ النَّاسُ مِنَ الْكُرُومِ ‏(‏وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ‏)‏، غَيْرَ مَرْفُوعَاتٍ مَبْنِيَّاتٍ، لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَلَا يَرْفَعُونَهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُهُ وَيُنْبِتُهُ وَيُنَمِّيهِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏مَعْرُوشَاتٍ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ مَسْمُوكَاتٍ‏.‏

وَبِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ‏}‏، “فَالْمَعْرُوشَاتُ“، مَا عَرَّشَ النَّاسُ “ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ “، مَا خَرَجَ فِي الْبَرِّ وَالْجِبَالِ مِنَ الثَّمَرَاتِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ أَمَّا “ جَنَّاتٍ “‏:‏ فَالْبَسَاتِينُ وَأَمَّا “ الْمَعْرُوشَاتُ “، فَمَا عُرِشَ كَهَيْئَةِ الْكَرْمِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا يُعْرَشُ مِنَ الْكُرُومِ ‏(‏وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ‏)‏، قَالَ‏:‏ مَا لَا يُعْرَشُ مِنَ الْكَرْمِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏141‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ وَأَنْشَأَ النَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ يَعْنِي بِ “ الْأُكُلِ “، الثَّمَرَ‏.‏ يَقُولُ‏:‏ وَخَلَقَ النَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا مَا يَخْرُجُ مِنْهُ مِمَّا يُؤْكَلُ مِنَ الثَّمَرِ وَالْحَبِّ “ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ “، فِي الطَّعْمِ، مِنْهُ الْحُلْوُ، وَالْحَامِضُ، وَالْمُزُّ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ‏}‏، قَالَ‏:‏ “ مُتَشَابِهًا “، فِي الْمَنْظَرِ “ وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ “، فِي الطَّعْمِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ‏}‏، فَإِنَّهُ يَقُولُ‏:‏ كُلُوا مِنْ رُطَبِهِ مَا كَانَ رَطْبًا ثَمَرُهُ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ الْأَهْوَازِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنْ رُطَبِهِ وَعِنَبِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنْ رُطَبِهِ وَعِنَبِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏141‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏‏.‏

اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ بِإِيتَاءِ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ مِنَ الثَّمَرِ وَالْحَبِّ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الزَّكَاةُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ دِرْهَمٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هَانِئُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُ وَكِيعٍ وَابْنُ بَشَّارٍ قَالُوا، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ الْمَكِّيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الزَّكَاةُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ، عَنْ حَيَّانَ الْأَعْرَجِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الزَّكَاةُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هِيَ الصَّدَقَةُ قَالَ‏:‏ ثُمَّ سُئِلَ عَنْهَا مَرَّةً أُخْرَى فَقَالَ‏:‏ هِيَ الصَّدَقَةُ مِنَ الْحَبِّ وَالثِّمَارِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هِيَ الصَّدَقَةُ مِنَ الْحَبِّ وَالثِّمَارِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، يَعْنِي بِحَقِّهِ، زَكَاتَهُ الْمَفْرُوضَةَ، يَوْمَ يُكَالُ أَوْ يُعْلَمُ كَيْلُهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا زَرَعَ فَكَانَ يَوْمُ حَصَادِهِ، وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ مَا كَيْلُهُ وَحَقُّهُ، فَيُخْرِجَ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ وَاحِدًا، وَمَا يَلْقُطُ النَّاسُ مِنْ سُنْبُلِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، وَ“ حَقُّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ “، الصَّدَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَّ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ أَوِ الْعَيْنُ السَّائِحَةُ، أَوْ سَقَاهُ الطَّلُّ وَ“ الطَّلُّ “، النَّدَى أَوْ كَانَ بَعْلًا الْعُشَرَ كَامِلًا‏.‏ وَإِنْ سُقِيَ بَرْشَاءٍ نِصْفَ الْعُشْرِ قَالَ قَتَادَةُ‏:‏ وَهَذَا فِيمَا يُكَالُ مِنَ الثَّمَرَةِ‏.‏ وَكَانَ هَذَا إِذَا بَلَغَتِ الثَّمَرَةُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ، وَذَلِكَ ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ، فَقَدْ حَقَّ فِيهَا الزَّكَاةُ‏.‏ وَكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُعْطُوا مِمَّا لَا يُكَالُ مِنَ الثَّمَرَةِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ وَطَاوُسٍ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَا هُوَ الزَّكَاةُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ سَالِمٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَوْمَ كَيْلِهِ، يُعْطِي الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْعُشْرَ، وَنِصْفَ الْعُشْرِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَا الزَّكَاةَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، يَعْنِي‏:‏ يَوْمَ كَيْلِهِ، مَا كَانَ مِنْ بُرٍّ أَوْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ‏.‏ وَ“ حَقَّهُ“ زَكَاتَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏كُلُوا مِنْ ثَمَرَهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كُلْ مِنْهُ، وَإِذَا حَصَدْتَهُ فَآتِ حَقَّهُ، وَحَقُّهُ عُشُورُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الزَّكَاةُ إِذَا كِلْتَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ الْحَسَنَ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏)‏، قَالَ‏:‏ الزَّكَاةُ‏.‏

حَدَّثَنِي ابْنُ الْبَرْقِيِّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ ابْنَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏(‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏)‏، فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ هُوَ الْعُشُورُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏!‏ فَقُلْتُ لَهُ‏:‏ عَنْ أَبِيكَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ عَنْ أَبِي وَغَيْرِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ ذَلِكَ حَقٌّ أَوْجَبَهُ اللَّهُ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الْأَمْوَالِ، غَيْرُ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ‏:‏ ‏(‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏)‏، قَالَ‏:‏ شَيْئًا سِوَى الْحَقِّ الْوَاجِبِ قَالَ‏:‏ وَكَانَ فِي كِتَابِهِ‏:‏ “ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ‌‌‌‌‌‌“‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرٌو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏)‏، قَالَ‏:‏ الْقَبْضَةُ مِنَ الطَّعَامِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ‏:‏ ‏(‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏)‏، قَالَ‏:‏ مِنَ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَالْحَبِّ كُلِّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِعَطَاءٍ‏:‏ أَرَأَيْتَ مَا حَصَدْتُ مِنَ الْفَوَاكِهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَمِنْهَا أَيْضًا تُؤْتِي‏.‏ وَقَالَ‏:‏ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَصَدْتَ تُؤْتِي مِنْهُ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ، مِنْ نَخْلٍ أَوْ عِنَبٍ أَوْ حَبٍّ أَوْ فَوَاكِهَ أَوْ خُضَرٍ أَوْ قَصَبٍ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ قُلْتُ لِعَطَاءٍ‏:‏ أَوَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ ذَلِكَ كُلُّهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ نَعَمْ‏!‏ ثُمَّ تَلَا ‏(‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏)‏‏.‏ قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِعَطَاءٍ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، هَلْ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ مَعْلُومٌ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏)‏، قَالَ‏:‏ يُعْطِي مَنْ حُضُورٌ يَوْمِئِذٍ مَا تَيَسَّرَ، وَلَيْسَ بِالزَّكَاةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ‏:‏ ‏(‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏)‏، قَالَ‏:‏ لَيْسَ بِالزَّكَاةِ، وَلَكِنْ يُطْعِمُ مَنْ حَضَرَهُ سَاعَتَئِذٍ حَصِيدَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ حَمَّادٍ‏:‏ ‏(‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏)‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا يُعْطُونَ رُطَبًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏)‏، قَالَ‏:‏ إِذَا حَضَرَكَ الْمَسَاكِينُ طَرَحْتَ لَهُمْ مِنْهُ، وَإِذَا أَنَقَّيْتَهُ وَأَخَذْتَ فِي كَيْلِهِ حَثَوْتَ لَهُمْ مِنْهُ‏.‏ وَإِذَا عَلِمْتَ كَيْلَهُ عَزَلْتَ زَكَاتَهُ‏.‏ وَإِذَا أَخَذْتَ فِي جَدَادِ النَّخْلِ طَرَحْتَ لَهُمْ مِنَ الثَّفَارِيقِ‏.‏ وَإِذَا أَخَذْتَ فِي كَيْلِهِ حَثَوْتَ لَهُمْ مِنْهُ‏.‏ وَإِذَا عَلِمْتَ كَيْلَهُ عَزَلْتَ زَكَاتَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏)‏، قَالَ‏:‏ سِوَى الْفَرِيضَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏)‏، قَالَ‏:‏ يُلْقِي إِلَى السُّؤَّالِ عِنْدَ الْحَصَادِ مِنَ السُّنْبُلِ، فَإِذَا طِينَ أَوْ طُيِّنَ، الشَّكُّ مِنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَلْقَى إِلَيْهِمْ‏.‏ فَإِذَا حَمَلَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهُ كُدْسًا أَلْقَى إِلَيْهِمْ‏.‏ وَإِذَا دَاسَ أَطْعَمَ مِنْهُ، وَإِذَا فَرَغَ وَعَلِمَ كَمْ كَيْلُهُ، عَزَلَ زَكَاتَهُ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ فِي النَّخْلِ عِنْدَ الْجَدَادِ يُطْعِمُ مِنَ الثَّمَرَةِ وَالشَّمَارِيخِ‏.‏ فَإِذَا كَانَ عِنْدَ كَيْلِهِ أَطْعَمَ مِنَ التَّمْرِ‏.‏ فَإِذَا فَرَغَ عَزَلَ زَكَاتَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيًّ وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏)‏، قَالَ‏:‏ إِذَا حَصَدَ الزَّرْعَ أَلْقَى مِنَ السُّنْبُلِ، وَإِذَا جَدَّ النَّخْلَ أَلْقَى مِنَ الشَّمَارِيخِ‏.‏ فَإِذَا كَالَهُ زَكَّاهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ عِنْدَ الْحَصَادِ، وَعِنْدَ الدِّيَاسِ، وَعِنْدَ الصِّرَامِ، يَقْبِضُ لَهُمْ مِنْهُ، فَإِذَا كَالَهُ عَزَلَ زَكَاتَهُ‏.‏

وَبِهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ سِوَى الزَّكَاةِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيًّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏)‏، قَالَ‏:‏ شَيْءٌ سِوَى الزَّكَاةِ، فِي الْحَصَادِ وَالْجَدَادِ، إِذَا حَصَدُوا وَإِذَا حَزَرُوا‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنْ عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ‏:‏ ‏(‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏)‏، قَالَ‏:‏ وَاجِبٌ، حِينَ يَصْرُمُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏(‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏)‏، قَالَ‏:‏ إِذَا حَصَدَ أَطْعَمَ، وَإِذَا أَدْخَلَهُ الْبَيْدَرَ، وَإِذَا دَاسَهُ أَطْعَمَ مِنْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ‏:‏ يُطْعِمُ الْمُعْتَرَّ، سِوَى مَا يُعْطِي مِنَ الْعُشْرِ وَنِصْفِ الْعُشْرِ‏.‏

وَبِهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ قَبْضَةٌ عِنْدَ الْحَصَادِ، وَقَبْضَةٌ عِنْدَ الْجَدَادِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ‏:‏ كَانُوا يُعْطُونَ مَنِ اعْتَرَّ بِهِمُ الشَّيْءَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ الضِّغْثُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ يُعْطِي مِثْلَ الضِّغْثِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيًّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏(‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏)‏، قَالَ‏:‏ مِثْلَ هَذَا مِنَ الضِّغْثِ وَوَضَعَ يَحْيَى إِصْبَعَهُ الْإِبْهَامَ عَلَى الْمَفْصِلِ الثَّانِي مِنَ السَّبَّابَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ‏:‏ نَحْوَ الضِّغْثِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَعَنْ سُفْيَانَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَا يُعْطِي ضِغْثًا‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيًّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، «عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ قَالَ‏:‏ كَانَ النَّخْلُ إِذَا صُرِمَ يَجِيءُ الرَّجُلُ بِالْعِذْقِ مِنْ نَخْلِهِ، فَيُعَلِّقُهُ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَيَجِيءُ الْمِسْكِينُ فَيَضْرِبُهُ بِعَصَاهُ، فَإِذَا تَنَاثَرَ أَكَلَ مِنْهُ‏.‏ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ حَسَنٌ أَوْ حُسَيْنٌ، فَتَنَاوَلَ تَمْرَةً، فَانْتَزَعَهَا مِنْ فِيهِ‏.‏ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَلَا أَهْلُ بَيْتِهِ‏.‏ فَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏ »‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، وَيَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ قَالَا كَانَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إِذَا صَرَمُوا يَجِيئُونَ بِالْعِذْقِ فَيَضَعُونَهُ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَجِيءُ السَّائِلُ فَيَضْرِبُهُ بِعَصَاهُ، فَيَسْقُطُ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَبِي الزَّرْقَاءِ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ وَمَيْمُونٍ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَا كَانَ الرَّجُلُ إِذَا جَدَّ النَّخْلَ يَجِيءُ بِالْعِذْقِ فَيُعَلِّقُهُ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، فَيَأْتِيهِ الْمِسْكِينُ فَيَضْرِبُهُ بِعَصَاهُ، فَيَأْكُلُ مَا يَتَنَاثَرُ مِنْهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَقَطُ السُّنْبُلِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ كَانُوا يُعَلِّقُونَ الْعِذْقَ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الصِّرَامِ، فَيَأْكُلُ مِنْهُ الضَّعِيفُ‏.‏

وَبِهِ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ‏:‏ قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، يُطْعِمُ الشَّيْءَ عِنْدَ صِرَامِهِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحِمَّانِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الضِّغْثُ، وَمَا يَقَعُ مِنَ السُّنْبُلِ‏.‏

وَبِهِ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْعَلَفُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُوِيدٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانَ هَذَا قَبْلَ الزَّكَاةِ، لِلْمَسَاكِينِ، الْقَبْضَةُ، وَالضِّغْثُ لِعَلَفِ دَابَّتِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيًّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَفَاعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ عِنْدَ الزَّرْعِ يُعْطِي الْقَبْضَ، وَعِنْدَ الصِّرَامِ يُعْطِي الْقَبْضَ، وَيَتْرُكُهُمْ فَيَتَتَبَّعُونَ آثَارَ الصِّرَامِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ كَانَ هَذَا شَيْئًا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ الْمُؤَقَّتَةُ‏.‏ ثُمَّ نَسَخَتْهُ الصَّدَقَةُ الْمَعْلُومَةُ، فَلَا فَرْضَ فِي مَالٍ كَائِنًا مَا كَانَ زَرْعًا كَانَ أَوْ غَرْسًا، إِلَّا الصَّدَقَةَ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ فِيهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ نَسَخَهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ نَسَخَهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ‏.‏

وَبِهِ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ‏:‏ نَسَخَهَا الْعُشْرُ، وَنِصْفُ الْعُشْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هَذَا قَبْلَ الزَّكَاةِ، فَلَمَّا نَزَلَتِ الزَّكَاةُ نَسَخَتْهَا، فَكَانُوا يُعْطُونَ الضِّغْثَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ، حَتَّى سُنَّ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ‏.‏ فَلَمَّا سُنَّ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ، تُرِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيًّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هِيَ مَنْسُوخَةٌ، نَسَخَتْهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَسَخَتْهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ نَسَخَتْهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ‏.‏

وَبِهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ نَسَخَتْهَا الزَّكَاةُ‏.‏

وَبِهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ‏:‏ نَسَخَتْهَا الزَّكَاةُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ، نَسَخَتْهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ عَمَّنْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ عَنِ الْعُلَمَاءِ‏.‏

وَبِهِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ شِبَاكٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ نَسَخَتْهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ أَمَّا ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، فَكَانُوا إِذَا مَرَّ بِهِمْ أَحَدٌ يَوْمَ الْحَصَادِ أَوِ الْجِدَادِ، أَطْعَمُوهُ مِنْهُ، فَنَسَخَهَا اللَّهُ عَنْهُمْ بِالزَّكَاةِ، وَكَانَ فِيمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ كَانُوا يَرْضَخُونَ لِقَرَابَتِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطِيَّةَ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَسَخَهُ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ‏.‏ كَانُوا يُعْطُونَ إِذَا حَصَدُوا وَإِذَا ذَرَّوْا، فَنَسَخَتْهَا الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي طَعَامِهِمْ وَثِمَارِهِمُ الَّتِي تُخْرِجُهَا زُرُوعُهُمْ وُغُرُوسُهُمْ، ثُمَّ نَسَخَهُ اللَّهُ بِالصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ، وَالْوَظِيفَةِ الْمَعْلُومَةِ مِنَ الْعُشْرِ وَنِصْفِ الْعُشْرِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْجَمِيعَ مُجْمِعُونَ لَا خِلَافَ بَيْنِهِمْ‏:‏ أَنَّ صَدَقَةَ الْحَرْثِ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا بَعْدَ الدِّيَاسِ وَالتَّنْقِيَةِ وَالتَّذْرِيَةِ، وَأَنَّ صَدَقَةَ التَّمْرِ لَا تُؤْخَذُ إِلَّا بَعْدَ الْإِجْزَازِ‏.‏

فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، يُنْبِئُ عَنْ أَنَّهُ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِإِيتَاءِ حَقِّهِ يَوْمَ حَصَادِهِ، وَكَانَ يَوْمُ حَصَادِهِ هُوَ يَوْمَ جَدِّهِ وَقَطْعِهِ، وَالْحَبُّ لَا شَكَّ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي سُنْبُلِهِ، وَالتَّمْرُ وَإِنْ كَانَ ثَمَرَ نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ غَيْرُ مُسْتَحْكَمٍ جُفُوفُهُ وَيُبْسُهُ، وَكَانَتِ الصَّدَقَةُ مِنَ الْحَبِّ إِنَّمَا تُؤْخَذُ بَعْدَ دِيَاسِهِ وَتَذْرِيَتِهِ وَتَنْقِيَتِهِ كَيْلًا وَالتَّمْرُ إِنَّمَا تُؤْخَذُ صَدَقَتُهُ بَعْدَ اسْتِحْكَامِ يُبْسِهِ وَجُفُوفِهِ كَيْلًا عُلِمَ أَنَّ مَا يُؤْخَذُ صَدَقَةً بَعْدَ حِينِ حَصْدِهِ، غَيْرُ الَّذِي يَجِبُ إِيتَاؤُهُ الْمَسَاكِينَ يَوْمَ حَصَادِهِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَمَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِيجَابًا مِنَ اللَّهِ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فَرْضًا وَاجِبًا، أَوْ نَفْلًا‏.‏

فَإِنْ يَكُنْ فَرْضًا وَاجِبًا، فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ الَّتِي مَنْ فَرَّطَ فِي أَدَائِهَا إِلَى أَهْلِهَا كَانَ بِرَبِّهِ آثِمًا، وَلِأَمْرِهِ مُخَالِفًا‏.‏ وَفِي قِيَامِ الْحُجَّةِ بِأَنْ لَا فَرْضَ لِلَّهِ فِي الْمَالِ بَعْدَ الزَّكَاةِ يَجِبُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ سِوَى مَا يَجِبُ مِنَ النَّفَقَةِ لِمَنْ يَلْزَمُ الْمَرْءَ نَفَقَتُهُ، مَا يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ‏.‏

أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ نَفْلًا‏.‏ فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ فِي إِعْطَاءِ ذَلِكَ إِلَى رَبِّ الْحَرْثِ وَالثَّمَرِ‏.‏ وَفِي إِيجَابِ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ ذَلِكَ، مَا يُنْبِئُ عَنْ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَذَلِكَ‏.‏

وَإِذَا خَرَجَتِ الْآيَةُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهَا النَّدْبُ، وَكَانَ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ لَهَا مَخْرَجٌ فِي وُجُوبِ الْفَرْضِ بِهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ، عُلِمَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ‏.‏

وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ دَلِيلًا عَلَى صِحَّتِهِ، أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَتْبَعَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، ‏{‏وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ‏}‏، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ مُذْ فَرَضَ فِي أَمْوَالِهِمُ الصَّدَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ الْمُؤَقَّتَةَ الْقَدْرِ، أَنَّ الْقَائِمَ بِأَخْذِ ذَلِكَ سَاسَتُهُمْ وَرُعَاتُهُمْ‏.‏ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَا وَجْهُ نَهْيِ رَبِّ الْمَالِ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي إِيتَاءِ ذَلِكَ، وَالْآخِذُ مُجْبِرٌ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ الْحَقَّ الَّذِي فُرِضَ لِلَّهِ فِيهِ‏؟‏

فَإِنَّ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ نَهْيٌ مِنَ اللَّهِ الْقَيِّمَ بِأَخْذِ ذَلِكَ مِنَ الرُّعَاةِ عَنِ التَّعَدِّي فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ، وَالتَّجَاوُزِ إِلَى أَخْذِ مَا لَمْ يُبَحْ لَهُ أَخْذُهُ، فَإِنَّ آخِرَ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَلَا تُسْرِفُوا‏)‏، مَعْطُوفٌ عَلَى أَوَّلِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏‏.‏ فَإِنْ كَانَ الْمَنْهِيَّ عَنِ الْإِسْرَافِ الْقَيِّمُ بِقَبْضِ ذَلِكَ، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِإِيتَائِهِ، الْمَنْهِيَّ عَنِ الْإِسْرَافِ فِيهِ، وَهُوَ السُّلْطَانُ‏.‏

وَذَلِكَ قَوْلٌ إِنَّ قَالَهُ قَائِلٌ، كَانَ خَارِجًا مِنْ قَوْلِ جَمِيعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَمُخَالِفًا الْمَعْهُودَ مِنَ الْخِطَابِ، وَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا عَلَى خَطَئِهِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ وَمَا تُنْكِرُ أَنْ يَكُونَمَعْنَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ كَيْلِهِ، لَا يَوْمَ قَصْلِهِ وَقَطْعِهِ، وَلَا يَوْمَ جِدَادِهِ وَقِطَافِهِ‏؟‏ فَقَدْ عَلِمْتَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ‏؟‏ وَذَلِكَ مَا‏:‏-

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَوْمَ كَيْلِهِ‏.‏

وَحَدَّثَنَا الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ سَالِمٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَوْمَ كَيْلِهِ، يُعْطِي الْعُشْرَ وَنِصْفَ الْعُشْرِ‏.‏

مَعَ آخَرِينَ قَدْ ذَكَرْتُ الرِّوَايَةَ فِيمَا مَضَى عَنْهُمْ بِذَلِكَ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ لِأَنَّ يَوْمَ كَيْلِهِ غَيْرُ يَوْمِ حَصَادِهِ‏.‏ وَلَنْ يَخْلُوَ مَعْنَى قَائِلِي هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ‏:‏ إِمَّا أَنْ يَكُونُوا وَجَّهُوا مَعْنَى “ الْحَصَادِ “، إِلَى مَعْنَى “ الْكَيْلِ “، فَذَلِكَ مَا لَا يُعْقَلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ؛ لِأَنَّ “ الْحَصَادَ “ وَ“ الْحَصْدُ “ فِي كَلَامِهِمْ‏:‏ الْجَدُّ وَالْقَطْعُ، لَا الْكَيْلُ أَوْ يَكُونُوا وَجَّهُوا تَأْوِيلَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، إِلَى‏:‏ وَآتُوا حَقَّهُ بَعْدَ يَوْمِ حَصَادِهِ إِذَا كِلْتُمُوهُ، فَذَلِكَ خِلَافُ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ فِي ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ بِإِيتَاءِ الْحَقِّ مِنْهُ يَوْمَ حَصَادِهِ، لَا بَعْدَ يَوْمِ حَصَادِهِ‏.‏ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَائِلٍ‏:‏ إِنَّمَا عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، بَعْدَ يَوْمِ حَصَادِهِ وَآخَرَ قَالَ‏:‏ عَنَى بِذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ حَصَادِهِ؛ لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا قَائِلَانِ قَوْلًا دَلِيلُ ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ بِخِلَافِهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏141‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي “الْإِسْرَافِ “، الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ وَلَا تُسْرِفُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَمَنِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ‏:‏ رَبُّ النَّخْلِ وَالزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَ“ السَّرَفُ “ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، مُجَاوَزَةُ الْقَدْرِ فِي الْعَطِيَّةِ إِلَى مَا يُجْحِفُ بِرَبِّ الْمَالِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيًّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا‏}‏، الْآيَةَ، قَالَ‏:‏ كَانُوا يُعْطُونَ شَيْئًا سِوَى الزَّكَاةِ، ثُمَّ تَسَارَفُوا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا يُعْطُونَ يَوْمَ الْحَصَادِ شَيْئًا سِوَى الزَّكَاةِ، ثُمَّ تَبَارَوْا فِيهِ، أَسْرَفُوا، فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا يُعْطُونَ يَوْمَ الْحَصَادِ شَيْئًا، ثُمَّ تَسَارَفُوا، فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شِمَاسٍ، جَدَّ نَخْلًا فَقَالَ‏:‏ لَا يَأْتِينَّ الْيَوْمَ أَحَدٌ إِلَّا أَطْعَمْتُهُ‏!‏ فَأَطْعَمَ، حَتَّى أَمْسَى وَلَيْسَتْ لَهُ ثَمَرَةٌ، فَقَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِعَطَاءٍ‏:‏ ‏(‏وَلَا تُسْرِفُوا‏)‏، يَقُولُ‏:‏ لَا تُسْرِفُوا فِيمَا يُؤْتَى يَوْمَ الْحَصَادِ، أَمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَلَى‏!‏ فِي كُلِّ شَيْءٍ، يَنْهَى عَنِ السَّرَفِ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثُمَّ عَاوَدْتُهُ بَعْدَ حِينٍ، فَقُلْتُ‏:‏ مَا قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ‏}‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ يَنْهَى عَنِ السَّرَفِ فِي كُلِّ شَيْءٍ‏.‏ ثُمَّ تَلَا ‏{‏لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الْفُرْقَانِ‏:‏ 67‏]‏‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيًّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ قَالَ‏:‏ أَطَافَ النَّاسُ بِإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِالْكُوفَةِ، فَسَأَلُوهُ‏:‏ مَا السَّرَفُ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ مَا دُونُ أَمْرِ اللَّهِ فَهُوَ سَرَفٌ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُفَضَّلٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ‏:‏ ‏(‏وَلَا تُسْرِفُوا‏)‏، لَا تُعْطُوا أَمْوَالَكُمْ فَتَغْدُوَا فُقَرَاءَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ “ الْإِسْرَافُ “ الَّذِي نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ‏:‏ مَنْعُ الصَّدَقَةِ وَالْحَقِّ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ رَبَّ الْمَالِ بِإِيتَائِهِ أَهْلَهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏}‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ وَغَيْرِهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلَا تُسْرِفُوا‏)‏، قَالَ‏:‏ لَا تَمْنَعُوا الصَّدَقَةَ فَتَعْصُوا‏.‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيًّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ‏}‏، وَالسَّرَفُ، أَنْ لَا يُعْطِيَ فِي حَقٍّ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِنَّمَا خُوطِبَ بِهَذَا السُّلْطَانُ‏.‏ نُهِيَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ فَوْقَ الَّذِي أَلْزَمَ اللَّهُ مَالَهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلَا تُسْرِفُوا‏)‏، قَالَ‏:‏ قَالَ لِلسُّلْطَانِ‏:‏ “ لَا تُسْرِفُوا “، لَا تَأْخُذُوا بِغَيْرِ حَقٍّ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بَيْنَ السُّلْطَانِ وَبَيْنَ النَّاسِ يَعْنِي قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ‏}‏، الْآيَةَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يُقَالَ‏:‏ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَهَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلَا تُسْرِفُوا‏)‏، عَنْ جَمِيعِ مَعَانِي “ الْإِسْرَافِ “، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهَا مَعْنًى دُونَ مَعْنًى‏.‏

وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ “ الْإِسْرَافُ “ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْإِخْطَاءَ بِإِصَابَةِ الْحَقِّ فِي الْعَطِيَّةِ، إِمَّا بِتَجَاوُزِ حَدِّهِ فِي الزِّيَادَةِ، وَإِمَّا بِتَقْصِيرٍ عَنْ حَدِّهِ الْوَاجِبِ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْمُفَرِّقَ مَالَهُ مُبَارَاةً، وَالْبَاذِلَهُ لِلنَّاسِ حَتَّى أَجْحَفَتْ بِهِ عَطِيَّتُهُ، مُسْرِفٌ بِتَجَاوُزِهِ حَدَّ اللَّهِ إِلَى مَا ‏[‏لَيْسَ لَهُ‏]‏‏.‏ وَكَذَلِكَ الْمُقَصِّرُ فِي بَذْلِهِ فِيمَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ بَذْلَهُ فِيهِ، وَذَلِكَ كَمَنْعِهِ مَا أُلْزِمُهُ إِيتَاءَهُ مِنْهُ أَهْلَ سُهْمَانِ الصَّدَقَةِ إِذَا وَجَبَتْ فِيهِ، أَوْ مَنْعِهِ مَنْ أَلْزَمَهُ اللَّهُ نَفَقَتَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ مَا أَلْزَمَهُ مِنْهَا‏.‏ وَكَذَلِكَ السُّلْطَانُ فِي أَخْذِهِ مِنْ رَعِيَّتِهِ مَا لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ بِأَخْذِهِ‏.‏ كُلُّ هَؤُلَاءِ فِيمَا فَعَلُوا مِنْ ذَلِكَ مُسْرِفُونَ، دَاخِلُونَ فِي مَعْنَى مَنْ أَتَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الْإِسْرَافِ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏وَلَا تُسْرِفُوا‏)‏، فِي عَطِيَّتِكُمْ مِنْ أَمْوَالِكُمْ مَا يُجْحِفُ بِكُمْ إِذْ كَانَ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكَلَامِ أَمْرًا مِنَ اللَّهِ بِإِيتَاءِ الْوَاجِبِ فِيهِ أَهْلَهُ يَوْمَ حَصَادِهِ‏.‏ فَإِنَّ الْآيَةَ قَدْ كَانَتْ تَنْزِلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبٍ خَاصٍّ مِنَ الْأُمُورِ، وَالْحُكْمُ بِهَا عَلَى الْعَامِّ، بَلْ عَامَّةُ آيِ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ‏.‏ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ‏}‏‏.‏

وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ مَعْنَى “ الْإِسْرَافِ “ أَنَّهُ عَلَى مَا قُلْنَا، قَوْلُ الشَّاعِرِ‏:‏

أَعْطَوْا هُنَيْدَةَ يَحْدُوهَا ثَمَانِيَةٌ *** مَا فِي عَطَائِهِمُ مَنٌّ وَلَا سَرَفُ

يَعْنِي بِالسَّرَفِ الْخَطَأَ فِي الْعَطِيَّةِ‏.‏